الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 557 ] ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أولها يوم الأحد ، والخليفة والسلطان هما المذكوران في التي قبلها . وقد اتفق في هذه السنة أمور عجيبة وذلك أنه وقع الخلف بين الممالك كلها ، اختلفت التتار فيما بينهم واقتتلوا ، فقتل منهم خلق كثير ، واختلفت الفرنج في السواحل ، وصال بعضهم على بعض وقتل بعضهم بعضا ، وكذلك الفرنج الذين في داخل البحور وجزائرها اختلفوا واقتتلوا ، واقتتلت قبائل الأعراب بعضها في بعض قتالا شديدا ، وكذلك وقع الخلف بين العشير من الحوارنة ، وقامت الحرب بينهم على ساق ، وكذلك وقع الخلف بين الأمراء الظاهرية بسبب أن السلطان الملك السعيد بن الظاهر لما بعث الجيش إلى سيس أقام بعده بدمشق ، وأخذ في اللهو واللعب والانبساط مع الخاصكية ، وتمكنوا من الأمور ، وبعد عنه الأمراء الكبار ، فعصت طائفة منهم ونابذوه وفارقوه ، وأقاموا بطريق العساكر الذين توجهوا إلى سيس وغيرهم ، فرجعت العساكر إليهم فلما اجتمعوا شعثوا قلوبهم على الملك السعيد ، ووحشوا خواطر الجيش عليه ، وقالوا : الملك لا ينبغي له أن يلعب ولا يلهو ، وإنما همة الملوك في العدل ومصالح المسلمين ، والذب عن حوزتهم كما كان أبوه . ثم راسله الجيش في إبعاد [ ص: 558 ] الخاصكية عنه ودنو ذوي الأحلام والنهى إليه كما كان أبوه يفعل ، فلم يقبل ، وذلك كان لا يمكنه ذلك; لقوة شوكةالخاصكية وكثرتهم ، فركب الجيش وساروا قاصدين مرج الصفر ، ولم يمكنهم العبور على دمشق بل أخذوا من شرقها ، فلما اجتمعوا كلهم بمرج الصفر أرسل السلطان أمه إليهم ، فتلقوها وقبلوا الأرض بين يديها ، فأخذت تتألفهم وتصلح الأمور ، فأجابوها واشترطوا شروطا على ولدها السلطان ، فلما رجعت إليه لم يلتزم بها ، ولم تمكنه الخاصكية من ذلك ، فسارت العساكر إلى الديار المصرية ، فساق السلطان خلفهم ليتلافى الأمور قبل تفاقمها ، فلم يلحقهم وسبقوه إلى القاهرة ، وقد كان أرسل أهله وأولاده وثقله إلى الكرك ، فحصنهم فيها ، وركب في طائفة من الجيش الذين بقوا معه والخاصكية قاصدا الديار المصرية ، فلما اقترب منها صدوه عنها ، وقاتلوه فقتل من الفريقين نفر يسير ، فأخذه بعض الأمراء ، فشق به الصفوف ، وأدخله قلعة الجبل ليسكن الأمر ، فما زادهم ذلك إلا نفورا ، فحاصروا حينئذ القلعة ، وقطعوا عنها الماء وجرت خطوب طويلة وأحوال صعبة . ثم اتفق الحال بعد ذلك مع الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي - وهو المشار إليه حينئذ - على أن يترك الملك السعيد الملك ، ويتعوض بالكرك والشوبك ، ويكون في صحبته أخوه نجم الدين خضر ، وتكون المملكة إلى أخيهما الصغير بدر الدين سلامش ، ويكون الأمير سيف الدين قلاوون أتابكه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية