الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      المزني

                                                                                      الإمام العلامة ، فقيه الملة ، علم الزهاد ،

                                                                                      أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري ، تلميذ الشافعي . مولده في سنة موت الليث بن سعد سنة خمس وسبعين ومائة . [ ص: 493 ]

                                                                                      حدث عن : الشافعي ، وعن علي بن معبد بن شداد ، ونعيم بن حماد ، وغيرهم .

                                                                                      وهو قليل الرواية ، ولكنه كان رأسا في الفقه .

                                                                                      حدث عنه : إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة ، وأبو الحسن بن جوصا ، وأبو بكر بن زياد النيسابوري ، وأبو جعفر الطحاوي ، وأبونعيم بن عدي ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وأبو الفوارس بن الصابوني ، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة .

                                                                                      وامتلأت البلاد ب " مختصره " في الفقه ، وشرحه عدة من الكبار ، بحيث يقال : كانت البكر يكون في جهازها نسخة ب " مختصر " المزني .

                                                                                      أخبرنا عمر بن القواس ، أخبرنا زيد بن الحسن كتابة ، أخبرنا أبو الحسن بن عبد السلام ، حدثنا الفقيه أبو إسحاق قال : فأما الشافعي -رحمه الله- فقد انتقل فقهه إلى أصحابه ، فمنهم أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني . مات بمصر في سنة أربع وستين ومائتين . قال : وكان زاهدا عالما مناظرا محجاجا غواصا على المعاني الدقيقة . صنف كتبا كثيرة : " الجامع الكبير " ، و " الجامع الصغير " ، و " المنثور " ، و " المسائل المعتبرة " ، و " الترغيب في العلم " ، وكتاب " الوثائق " .

                                                                                      قال الشافعي : المزني ناصر مذهبي .

                                                                                      قلت : بلغنا أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة ، وأودعها [ ص: 494 ] " مختصره " ، صلى لله ركعتين .

                                                                                      وروي أن القاضي بكار بن قتيبة قدم على قضاء مصر ، وكان حنفيا ، فاجتمع بالمزني مرة ، فسأله رجل من أصحاب بكار ، فقال : قد جاء في الأحاديث تحريم النبيذ ، وجاء تحليله ، فلم قدمتم التحريم ؟ فقال المزني : لم يذهب أحد إلى تحريم النبيذ في الجاهلية ثم حلل لنا ، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا ، فحرم . فهذا يعضد أحاديث التحريم . فاستحسن بكار ذلك منه .

                                                                                      قلت : وأيضا فأحاديث التحريم كثيرة صحاح ، وليس كذلك أحاديث الإباحة .

                                                                                      قال عمرو بن تميم المكي : سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي قال : سمعت المزني يقول : لا يصح لأحد توحيد حتى يعلم أن الله -تعالى- على العرش بصفاته . قلت له : مثل أي شيء؟ قال : سميع بصير عليم .

                                                                                      قال أبو عبد الرحمن السلمي : أخبرنا محمد بن عبد الله بن شاذان ، سمعت محمد بن علي الكتاني ، وسمعت عمرو بن عثمان المكي ، يقول : ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ، ولا أدوم على العبادة منه . وما رأيت أحدا أشد تعظيما للعلم وأهله منه . وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع ، وأوسعه في ذلك على الناس ، وكان يقول : أنا خلق من أخلاق الشافعي .

                                                                                      قلت : وبلغنا أن المزني -رحمه الله- كان مجاب الدعوة ، ذا زهد [ ص: 495 ] وتأله ، أخذ عنه خلق من العلماء وبه انتشر مذهب الإمام الشافعي في الآفاق .

                                                                                      يقال : كان إذا فاتته صلاة الجماعة صلى تلك الصلاة خمسا وعشرين مرة .

                                                                                      وكان يغسل الموتى تعبدا واحتسابا . وهو القائل : تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي ، فصار لي عادة ، وهو الذي غسل الشافعي -رحمه الله .

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : سمعت من المزني ، وهو صدوق .

                                                                                      وقال أبو سعيد بن يونس : ثقة ، كان يلزم الرباط .

                                                                                      توفي في رمضان لست بقين منه سنة أربع وستين ومائتين ، وله تسع وثمانون سنة .

                                                                                      قلت : ومن جلة تلامذته العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج ، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي . ولم يل قضاء ، وكان قانعا شريف النفس .

                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن الحنبلي غير مرة ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن البن الأسدي سنة ثلاث [ ص: 496 ] وعشرين ، أخبرنا جدي الحسين ، أخبرنا علي بن محمد بن علي الشافعي سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، أخبرنا محمد بن الفضل الفراء بمصر ، حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد الصابوني سنة ثمان وأربعين ، وثلاثمائة ، أخبرنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال . فقيل : إنك تواصل؟ فقال : لست مثلكم إني أطعم وأسقى .

                                                                                      وبالإسناد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان ، فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه . فإن غم عليكم فاقدروا له .

                                                                                      وبه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس ، صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين متفق عليها .

                                                                                      أخبرنا ابن الفراء ، أخبرنا ابن البن ، أخبرنا جدي ، أخبرنا أبو الفوارس علي بن محمد ، أخبرنا ابن نظيف ، قال : قال لنا أبو الفوارس السندي : ولدت في المحرم سنة خمس وأربعين ومائتين ، وأول ما سمعت الحديث ولي عشر سنين .

                                                                                      قال : ومات المزني سنة 264 وتوفي الربيع سنة سبعين ومائتين . قال : وكانا رضيعين بينهما ستة أشهر ، يعني في المولد . [ ص: 497 ]

                                                                                      قال : ومات في سنة أربع -أيضا- أحمد بن أخي بن وهب ، ويونس بن عبد الأعلى ، ويزيد بن سنان .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية