الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 510 ] قوله : ( وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن ) . ش : أي أكرم المؤمنين هو الأطوع لله والأتبع للقرآن ، وهو الأتقى ، والأتقى هو الأكرم ، قال تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ الحجرات : 13 ] . وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض - : إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب . وبهذا الدليل يظهر ضعف تنازعهم في مسألة الفقير الصابر والغني الشاكر ، وترجيح أحدهما على الآخر ، وأن التحقيق أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى ، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق ، فالمسألة فاسدة في نفسها . فإن التفضيل عند الله بالتقوى وحقائق الإيمان ، لا بفقر ولا غنى . ولهذا - والله أعلم - قال عمر رضي الله عنه : الغنى والفقر مطيتان ، لا أبالي أيهما ركبت . والفقر والغنى ابتلاء من الله تعالى لعبده، كما قال تعالى : فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن الآية [ الفجر : 15 ] . [ ص: 511 ] فإن استوى الفقير الصابر والغني الشاكر - في التقوى ، استويا في الدرجة ، وإن فضل أحدهما فيها فهو الأفضل عند الله ، فإن الفقر والغنى لا يوزنان ، وإنما يوزن الصبر والشكر .

ومنهم من أحال المسألة من وجه آخر : وهو أن الإيمان [ نصف ] صبر ونصف شكر ، فكل منهما لا بد له من صبر وشكر . وإنما أخذ الناس فرعا من الصبر وفرعا من الشكر ، وأخذوا في الترجيح ، فجردوا غنيا منفقا متصدقا باذلا ماله في وجوب القرب شاكرا لله عليه ، وفقيرا متفرغا لطاعة الله ولأداء العبادات صابرا على فقره . وحينئذ يقال : إن أكملهما أطوعهما وأتبعهما ، فإن تساويا تساوت درجتهما . والله أعلم . ولو صح التجريد ، لصح أن يقال : أيما أفضل معافى شاكر ، أو مريض صابر ؟ و مطاع شاكر ، أو مهان صابر ؟ أو آمن شاكر ، أو خائف صابر ؟ ونحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية