الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الطلاق ( هو ) لغة رفع القيد لكن جعلوه في المرأة طلاقا وفي غيرها إطلاقا ، فلذا كان أنت مطلقة بالسكون كناية وشرعا ( رفع قيد النكاح [ ص: 227 ] في الحال ) بالبائن ( أو المآل ) بالرجعي ( بلفظ مخصوص ) هو ما اشتمل على الطلاق ، فخرج الفسوخ كخيار ، عتق وبلوغ وردة فإنه فسخ لا طلاق ، وبهذا علم أن عبارة الكنز والملتقى منقوضة طردا وعكسا بحر ( وإيقاعه مباح ) عند العامة لإطلاق الآيات أكمل ( وقيل ) قائله الكمال ( الأصح حظره ) ( أي منعه ) ( إلا لحاجة ) كريبة وكبر والمذهب الأول كما في البحر ، [ ص: 228 ] وقولهم الأصل فيه الحظر ، معناه أن الشارع ترك هذا الأصل فأباحه ، [ ص: 229 ] بل يستحب لو مؤذية أو تاركة صلاة غاية ، ومفاده أن لا إثم بمعاشرة من لا تصلي ويجب لو فات الإمساك بالمعروف ويحرم لو بدعيا .

التالي السابق


كتاب الطلاق لما ذكر النكاح وأحكامه اللازمة والمتأخرة عنه شرع فيما به يرتفع ، وقدم الرضاع لأنه يوجب حرمة مؤبدة بخلاف الطلاق تقديما للأشد على الأخف بحر ( قوله لكن جعلوه إلخ ) عبارة البحر قالوا : إنه استعمل في النكاح بالتطليق وفي غيره بالإطلاق ، حتى كان الأول صريحا والثاني كناية فلم يتوقف على النية في طلقتك وأنت مطلقة بالتشديد ، ويتوقف عليها في أطلقتك ومطلقة بالتخفيف . ا هـ . قال في البدائع : وهذا الاستعمال في العرف وإن كان المعنى في اللفظين لا يختلف في اللغة ومثل هذا جائز كما يقال : حصان وحصان فإنه بفتح الحاء يستعمل في المرأة وبكسرها في الفرس . ا هـ . والظاهر أنه أراد بالعرف عرف اللغة لأنه صرح في محل آخر أن الطلاق في اللغة والشرع عبارة عن رفع قيد النكاح ، وصرح أيضا بما يدل على أن الطلاق في اللغة صريح وكناية فافهم ( قوله وشرعا رفع قيد النكاح ) اعترضهم في البحر بأمور : الأول أنهم قالوا ركنه اللفظ المخصوص الدال . على رفع القيد فينبغي تعريفه به لأن حقيقة الشيء ركنه ، فعلى هذا هو لفظ دال على رفع قيد النكاح . الثاني أن القيد صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز كما في البدائع ، فكان هذا التعريف مناسبا للمعنى اللغوي لا الشرعي الثالث أنه كان ينبغي تعريفه بأنه رفع عقد النكاح بلفظ مخصوص ولو مآلا . ا هـ . أقول : والجواب عن الأول أن الطلاق اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق كالسلام والسراح بمعنى التسليم والتسريح ، أو مصدر طلقت بضم اللام أو فتحها طلاقا كالفساد كذا في الفتح ، وتقدم أنه لغة رفع الوثاق مطلقا أي حسيا كوثاق البعير والأسير ، ومعنويا كما هنا وأن المعنى الشرعي مستعمل في اللغة أيضا ، فقد ثبت أن حقيقة الطلاق الشرعي هو الحدث الذي هو مدلول المصدر لا نفس اللفظ ، لكن لما كان أمرا معنويا لا يتحقق إلا بلفظه المستعمل فيه قيل : إن ركنه اللفظ فليس اللفظ حقيقته بل دال عليه فلذا قال المصنف تبعا للفتح إنه رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص ، وعن الثاني والثالث أن المراد بالقيد العقد ، ولذا قال في الجوهرة : هو في الشرع عبارة عن المعنى الموضوع لحل عقدة النكاح ، فقد فسره بالمعنى المصدري كما قلنا أولا ، وعبر عن رفع القيد بحل العقدة أي بفك رابطة النكاح استعارة ، والمراد برفع العقد رفع أحكامه لأن العقود كلمات لا تبقى بعد التكلم بها كما حققه [ ص: 227 ] في التلويح في بحث العلل ، وعن هذا قال في البدائع : وأما بيان ما يرفع حكم النكاح فالطلاق ، وقال قبله : للنكاح الصحيح أحكام بعضها أصلي وبعضها من التوابع ; فالأول حل الوطء إلا لعارض . والثاني حل النظر وملك المتعة وملك الحبس وغير ذلك . ا هـ . وأما ما أورد في البحر من أن من آثار العقد العدة في المدخول بها فلذا لم يفسروه برفع العقد ، ففيه أن العدة ليست من أحكام النكاح لأنه غير موضوع لها ، وكونها من آثاره لا ينافي وجودها بعد رفع أحكامه كما أن نفس الطلاق من آثار عقد النكاح ولا يصح أن يكون من أحكامه بيان ذلك أن العقود علل لأحكامها كما صرحوا به وقالوا أيضا : إن الخارج المتعلق بالحكم إن كان مؤثرا فيه فهو العلة ، وإن كان مفضيا إليه بلا تأثير فهو السبب وإن لم يكن مؤثرا فيه ولا مفضيا إليه ; فإن توقف عليه وجود الحكم فهو الشرط ، وإلا فإن دل عليه فهو العلامة وتمامه في كتب الأصول ، ولا شبهة أن عقد النكاح علة لحل الوطء ونحوه لا لرفع الحل بل رفع الحل علته الطلاق لأنه وضع له ، نعم النكاح شرطه كما أن الطلاق شرط لوجوب العدة الواجبة لأجله فقد صرحوا في باب العدة أن شرطها رفع النكاح أو شبهته ، فالنكاح شرط لانعقاد الطلاق شرطا للعدة فصح كونها من آثاره بهذا الاعتبار فافهم ( قوله في الحال بالبائن ) متعلقان برفع ( قوله أو المآل ) أي بعد انقضاء العدة أو انضمام طلقتين إلى الأولى وعليه فلو ماتت في العدة أو بعدما راجعها ينبغي أن يتبين عدم وقوع الطلقة الأولى ; حتى لو حلف أنه لم يوقع عليها طلاقا قط لا يحنث بحر . وفيه أن المراجعة تقتضي وقوع الطلاق ، فقد صرح الزيلعي وغيره بأن المراجعة بدون وقوع الطلاق محال مقدسي فالصواب في تعريفه الشامل لنوعيه ما في القهستاني ، من أنه إزالة النكاح أو نقصان حله بلفظ مخصوص . قلت : ولذا قال في البدائع : أما الطلاق الرجعي فالحكم الأصلي له نقصان العدد ، فأما زوال الملك وحل الوطء فليس بحكم أصلي له لازم حتى لا يثبت للحال بل بعد انقضاء العدة ، وهذا عندنا . وعند الشافعي زوال حل الوطء من أحكامه الأصلية له حتى لا يحل له وطؤها قبل المراجعة ( قوله هو ما اشتمل على الطلاق ) أي على مادة ط ل ق صريحا ، مثل أنت طالق ، أو كناية كمطلقة بالتخفيف وكأنت ط ل ق وغيرهما كقول القاضي فرقت بينهما عند إباء الزوج الإسلام والعنة واللعان وسائر الكنايات المفيدة للرجعة والبينونة ولفظ الخلع فتح ، لكن قوله وغيرهما أي غير الصريح والكناية يفيد أن قول القاضي فرقت ، والكنايات ولفظ الخلع مما اشتمل على مادة ط ل ق وليس كذلك ، فالمناسب عطفه على ما اشتمل والضمير عائد على ما وثناه نظرا للمعنى لأنه واقع على الصريح والكناية ( قوله فخرج الفسوخ إلخ ) قال في الفتح : فخرج تفريق القاضي في إبائها ، وردة أحد الزوجين وتباين الدارين حقيقة وحكما وخيار البلوغ والعتق ، وعدم الكفاءة ، ونقصان المهر فإنها ليست طلاقا . ا هـ . وقد مر نظم في باب الولي ، ما هو طلاق وما هو فسخ وما يشترط فيه قضاء القاضي وما لا يشترط فراجعه ( قوله وبهذا ) أي بزيادة قوله أو المآل وقوله بلفظ مخصوص ( قوله عبارة الكنز والملتقى ) هي رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح ( قوله منقوضة طردا وعكسا ) أي إنها غير مانعة لدخول الفسوخ فيها وغير جامعة لخروج الرجعي ( قوله كريبة ) هي الظن والشك : أي ظن الفاحشة ( قوله والمذهب الأول ) لإطلاق قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } { لا جناح [ ص: 228 ] عليكم إن طلقتم النساء } - { ولأنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة لا لريبة ولا كبر } ، وكذا فعله الصحابة والحسن بن علي رضي الله عنهما استكثر النكاح والطلاق . وأما ما رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال { أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق } ، فالمراد بالحلال ما ليس فعله بلازم الشامل للمباح والمندوب والواجب والمكروه كما قاله الشمني بحر ملخصا قلت : لكن حاصل الجواب أن كونه مبغوضا لا ينافي كونه حلالا ، فإن الحلال بهذا المعنى يشمل المكروه وهو مبغوض ، بخلاف ما إذا أريد بالحلال ما لا يترجح تركه على فعله ; وأنت خبير أن هذا الجواب مؤبد للقول الثاني ، ويأتي بعده تأييده أيضا فافهم ( قوله وقولهم إلخ ) جواب عن قوله في الفتح : إن قولهم بإباحته وإبطالهم قول من قال لا يباح إلا لكبر أو ريبة { بأنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة } ولم يقترن بواحد منهما مناف لقولهم الأصل فيه الحظر لما فيه من كفران نعمة النكاح والإباحة للحاجة إلى الخلاص ، ولحديث { أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق } وأجاب في البحر بأن هذا الأصل لا يدل على أنه محظور شرعا ، وإنما يفيد أن الأصل فيه الحظر وترك ذلك بالشرع فصار الحل هو المشروع ; فهو نظير قولهم : الأصل في النكاح الحظر ، وإنما أبيح للحاجة إلى التوالد والتناسل ، فهل يفهم منه أنه محظور ؟ فالحق إباحته لغير حاجة طلبا للخلاص منها للأدلة المارة . ا هـ . أقول : لا يخفى ما بين الأصلين من الفرق فإن الحظر الذي هو الأصل في النكاح قد زال بالكلية ; فلم يبق فيه حظر أصلا إلا لعارض خارجي بخلاف الطلاق ، فقد صرح في الهداية بأنه مشروع في ذاته من حيث إنه إزالة الرق ، وأن هذا لا ينافي الحظر لمعنى في غيره ; وهو ما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية ا هـ فهذا صريح في أنه مشروع ومحظور من جهتين وأنه لا منافاة في اجتماعهما لاختلاف الحيثية كالصلاة في الأرض المغصوبة ، فكون الأصل فيه الحظر لم يزل بالكلية بل هو باق إلى الآن ; بخلاف الحظر في النكاح فإنه من حيث كونه انتفاعا بجزء الآدمي المحترم واطلاعا على العورات قد زال للحاجة إلى التوالد وبقاء العالم . وأما الطلاق فإن الأصل فيه الحظر ، بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه ، وهو معنى قولهم الأصل فيه الحظر والإباحة للحاجة إلى الخلاص ، فإذا كان بلا سبب أصلا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص بل يكون حمقا وسفاهة رأي ومجرد كفران النعمة وإخلاص الإيذاء بها وبأهلها وأولادها ، ولهذا قالوا : إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى ، فليست الحاجة مختصة بالكبر والريبة كما قيل ، بل هي أعم كما اختاره في الفتح ، فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعا يبقى على أصله من الحظر ، ولهذا قال تعالى { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } أي لا تطلبوا الفراق ، وعليه حديث { أبغض الحلال إلى الله الطلاق } قال في الفتح : ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة ا هـ وإذا وجدت الحاجة المذكورة أبيح وعليها يحمل ما وقع منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه وغيرهم من الأئمة صونا لهم عن العبث والإيذاء بلا سبب ، فقوله في البحر إن الحق إباحته لغير حاجة طلبا للخلاص منها ، إن أراد بالخلاص منها الخلاص بلا سبب كما هو المتبادر منه فهو ممنوع لمخالفته لقولهم إن إباحته للحاجة إلى الخلاص ، فلم يبيحوه إلا عند الحاجة إليه لا عند مجرد إرادة الخلاص وإن أراد الخلاص عند الحاجة إليه فهو المطلوب ، وقوله في البحر أيضا إن ما صححه في الفتح اختيار للقول الضعيف وليس المذهب عن علمائنا فيه نظر لأن الضعيف هو عدم إباحته إلا لكبر أو ريبة . والذي صححه في الفتح عدم التقييد بذلك كما هو مقتضى إطلاقهم الحاجة . [ ص: 229 ] وبما قررناه أيضا زال التنافي بين قولهم بإباحته ، وقولهم إن الأصل فيه الحظر لاختلاف الحيثية وظهر أيضا أنه لا مخالفة بين ما ادعاه أنه المذهب وما صححه في الفتح فاغتنم هذا التحرير فإنه من فتح القدير ( قوله بل يستحب ) إضراب انتقالي ط ( قوله لو مؤذية ) أطلقه فشمل المؤذية له أو لغيره بقولها أو بفعلها ط ( قوله أو تاركة صلاة ) الظاهر أن ترك الفرائض غير الصلاة كالصلاة ، وعن ابن مسعود لأن ألقى الله تعالى وصداقها بذمتي خير من أن أعاشر امرأة لا تصلي ط ( قوله ومفاده ) أي مفاد استحباب طلاقها وهذا قاله في البحر . وقال : ولهذا قالوا في الفتاوى : له أن يضربها على ترك الصلاة ولم يقولوا عليه مع أن في ضربها على تركها روايتين ذكرهما قاضي خان . ا هـ . ( قوله لو فات الإمساك بالمعروف ) ما لو كان خصيا أو مجبوبا أو عنينا أو شكازا أو مسحرا والشكاز : بفتح الشين المعجمة وتشديد الكاف وبالزاي هو الذي تنتشر آلته للمرأة قبل أن يخالطها ثم لا تنتشر آلته بعده لجماعها والمسحر بفتح الحاء المشددة وهو المسحور ، ويسمى المربوط في زماننا ح عن شرح الوهبانية ( قوله لو بدعيا ) يأتي بيانه




الخدمات العلمية