الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3377 (32) باب

                                                                                              لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

                                                                                              [ 1325 ] عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه، كتب إليه نجدة: أما بعد، فأخبرني هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن يداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة، وأما بسهم، فلم يضرب لهن، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يكن يقتل الصبيان، فلا تقتل الصبيان، وكتبت تسألني: متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري، إن الرجل لتنبت لحيته، وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس ، فقد ذهب عنه اليتم، وكتبت تسألني عن الخمس: لمن هو؟ وإنا كنا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذاك.

                                                                                              رواه مسلم (1812) (137)، وأبو داود (2727).

                                                                                              [ ص: 687 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 687 ] (32) ومن باب: لا يسهم للنساء من الغنيمة

                                                                                              ( نجدة ) هذا هو ابن عامر الحروري ، نسب إلى حروراء ، وهي موضع بقرب الكوفة ، خرج منه الخوارج على علي رضي الله عنه ، وفيه قتلوا ، وكان نجدة هذا منهم وعلى رأيهم ; لذلك استثقل ابن عباس مجاوبته ، وكرهها ، لكن أجابه مخافة جهل يقع له ، فيفتي ، ويعمل به .

                                                                                              وقول ابن عباس رضي الله عنه : ( أن النساء كن يحذين من الغنيمة ، ولا يسهم لهن منها ) ; هذا مذهب جمهور العلماء : أن المرأة لا يضرب لها بسهم وإن قاتلت ، ما خلا الأوزاعي ; فإنه قال : إن قاتلت أسهم لها . وقد مال إليه ابن حبيب من أصحابنا . وهل يحذين ; أي : يعطين من الغنيمة بغير تقدير . فالجمهور على أنهن يرضخ لهن. وقال مالك : لا يرضخ لهن ، ولم يبلغني ذلك .

                                                                                              وكذلك الخلاف في العبد سواء ; غير أن القائل : بأنه يسهم له إن قاتل ; هو الحكم ، وابن سيرين ، والحسن ، وإبراهيم . وقد تقدم : أن اليتيم في بني آدم من قبل فقد الأب ، وفي البهائم من قبل فقد الأم .

                                                                                              وقوله : ( متى ينقضي يتم اليتيم ؟ ) أي : متى ينقضي حكم اليتم عنهم ، فيسلم لهم مالهم ; هذا مما اختلف فيه . فمقتضى كلام ابن عباس هذا ، ومذهب [ ص: 688 ] مالك ، وأصحابه ، وكافة العلماء : أن مجرد البلوغ لا يخرجه عن اليتم ، بل حتى يؤنس رشده ، وسداد تصرفه. وقال أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة ، دفع إليه ماله وإن كان غير ضابط له .

                                                                                              وهل من شرط رفع الحجر عنه العدالة ، أو يكفي ذلك حسن الحال ، وضبط المال ؟ الأول للشافعي ، والثاني للجمهور . وهو مشهور مذهب مالك . ثم إذا كان عليه مقدم ، فهل بنفس صلاح حاله يخرج من الولاية ، أو لا يخرج منها إلا بإطلاق حاكم أو وصي؟ في كل واحد منهما قولان عن مالك والشافعي ، غير أن المشهور من مذهب مالك : أنه لا يخرج منها إلا بإطلاق من حاكم أو وصي . وكافة السلف ، وأهل المدينة ، وأئمة الفتوى على أن الكبير السفيه يحجر عليه الحاكم ، وشذ أبو حنيفة فقال : لا يحجر عليه . وقد حكى ابن القصار في المسألة الإجماع ، ويعني به : إجماع أهل المدينة . والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله : كتبت تسألني عن الخمس ، لمن هو ؟ وإنا كنا نقول : هو لنا ، فأبى علينا قومنا ) ; هذا الخمس المسؤول عنه هو خمس الخمس ، لا خمس الغنيمة ، [ ص: 689 ] ولا يقول ابن عباس ، ولا غيره : إن خمس الغنيمة يصرف في القرابة ، وإنما يصرف إليهم خمس الخمس على قول من يقسم خمس الغنيمة على خمسة أخماس ; على ما تقدم من مذهب الشافعي ، وهو الذي أشار إليه ابن عباس ، وهو مذهب أحمد بن حنبل .




                                                                                              الخدمات العلمية