الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

أسرار التكرار في القرآن

الكرماني - محمود بن حمزة الكرماني

سورة المؤمنون

328 - قوله تبارك وتعالى : لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون بالجمع وبالواو ، وفي الزخرف : فاكهة " 73 " على التوحيد منها تأكلون بغير واو . راعى في السورتين لفظ الجنة . فكانت هذه جنات بالجمع ، فقال : فواكه بالجمع ، وفي الزخرف : وتلك الجنة بلفظ التوحيد ، وإن كانت هذه جنة الخلد ، لكن راعى اللفظ فقال : فيها فاكهة .

وقال في هذه السورة : ومنها تأكلون بزيادة الواو ؛ لأن تقدير الآية : منها تدخرون ومنها تبيعون . وليس كذلك فاكهة الجنة ، فإنها للأكل فحسب ، فلذلك قال في الزخرف : منها تأكلون ، ووافق هذه السورة ما بعدها أيضا ، وهو قوله : ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون . فهذا القرآن معجزة وبرهان .

329 - قوله : فقال الملأ الذين كفروا من قومه ، وبعده : وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ، فقدم من قومه في الآية الأخرى ، وفي الأولى أخر ؛ لأن صلة " الذين " في الأولى اقتصرت على الفعل وضمير الفاعل ، ثم ذكر بعده الجار والمجرور ، ثم ذكر [ ص: 184 ] المفعول وهو المقول . وليس كذلك في الأخرى ؛ فإن صلة الموصول طالت بذكر الفاعل والمفعول والعطف عليه مرة بعد أخرى ، فقدم الجار والمجرور ، ولأن تأخيره ملتبس ، وتوسطه ركيك ، فخص بالتقديم .

330 - قوله : ولو شاء الله لأنزل ملائكة ، وفي " حم " ( فصلت ) : لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ؛ لأن في هذه السورة تقدم ذكر الله ، وليس فيه ذكر الرب .

وفي فصلت تقدم ذكر رب العالمين سابقا على ذكر الله . فصرح في هذه السورة بذكر الله ، وهناك بذكر الرب ؛ لإضافته إلى العالمين وهم جملتهم ، فقالوا : إما اعتقادا وإما استهزاء : لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فأضافوا الرب إليهم .

331 - قوله : واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ، وفي سبإ : إني بما تعملون بصير كلاهما من وصف الله سبحانه وتعالى ، وخص كل سورة بما وافق فواصل الآي .

332 - قوله : فبعدا للقوم الظالمين بالألف واللام ، وبعده : لقوم لا يؤمنون ؛ لأن الأول لقوم صالح ، فعرفهم ، بدليل قوله : فأخذتهم الصيحة . والثاني نكرة ، وقبله : قرونا آخرين ، فكانوا منكرين ، ولم يكن معهم قرينة عرفوا بها فخصهم بالنكرة .

333 - قوله : لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل ، وفي النمل : لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ؛ لأن ما في هذه السورة على القياس ؛ فإن الضمير المرفوع المتصل لا يجوز [ ص: 185 ] العطف عليه حتى يؤكد بالمنفصل ، فأكد وعدنا نحن ، ثم عطف عليه " آباؤنا " ، ثم ذكر المفعول وهو " هذا " .

وقدم في النمل المفعول موافقة لقوله : ترابا ؛ لأن القياس فيه أيضا : كنا نحن وآباؤنا ترابا ، فقدم ترابا ليسد مسد " نحن " ، فكانا لفقين .

334 - قوله : سيقولون لله ، وبعده : سيقولون لله ، وبعده : سيقولون لله . الأول : جواب لقوله : قل لمن الأرض ومن فيها جواب مطابق لفظا ومعنى ؛ لأنه قال في السؤال : قل لمن ؟ فقال في الجواب : لله .

وأما الثاني والثالث : فالمطابقة فيهما في المعنى ؛ لأن القائل إذا قال لك : من مالك هذا الغلام ؟ فإن لك أن تقول : زيد . فيكون مطابقا لفظا ومعنى . ولك أن تقول : لزيد . فيكون مطابقا للمعنى ، ولهذا قرأ أبو عمرو الثاني والثالث : " الله " ، " الله " ؛ مراعاة للمطابقة .

335 - قوله : ألم تكن آياتي تتلى عليكم ، وقبله : قد كانت آياتي تتلى عليكم ليس بتكرار ؛ لأن الأول في الدنيا عند نزول العذاب ، وهو : الجدب عند بعضهم ، ويوم بدر عند بعضهم . والثاني في القيامة وهم في الجحيم ، بدليل قوله : ربنا أخرجنا منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية