الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 313 ] سورة عبس [ فيها آيتان ]

                                                                                                                                                                                                              الآية الأولى قوله تعالى : { عبس وتولى } فيها مسألتان :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى لا خلاف أنها نزلت في ابن أم مكتوم الأعمى ، وقد روي في الصحيح قال مالك : إن هشام بن عروة حدثه عن عروة أنه قال : { نزلت { عبس وتولى } في ابن أم مكتوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا محمد ; علمني مما علمك الله ، وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ، ويقول : يا فلان ، هل ترى بما أقول بأسا ، فيقول : لا ، ما أرى بما تقول بأسا ، فأنزل الله عز وجل { عبس وتولى } } .

                                                                                                                                                                                                              قالت المالكية من علمائنا : اسم ابن أم مكتوم عمرو ، ويقال عبد الله ، والرجل من عظماء المشركين هو الوليد بن المغيرة ، ويكنى أبا عبد شمس خرجه الترمذي مسندا قال : أنبأنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، حدثني أبي قال : هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : نزلت { عبس وتولى } فذكر مثله .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية هذا مثل قوله : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } .

                                                                                                                                                                                                              ومعناه نحوه حيثما وقع ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد تألف الرجل الطارئ ثقة بما كان في قلب ابن أم مكتوم من الإيمان ، كما قال : { إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه } .

                                                                                                                                                                                                              وأما قول علمائنا : إنه الوليد بن المغيرة . وقال آخرون : إنه أمية بن خلف ، فهذا كله [ ص: 314 ] باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين ; وذلك أن أمية والوليد كانا بمكة ، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ، ما حضر معهما ولا حضرا معه ، وكان موتهما كافرين ; أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ولم يقصد قط أمية المدينة ، ولا حضر عنده مفردا ولا مع أحد .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية