الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 318 ] سورة الانشقاق فيها آية واحدة قوله تعالى : { فلا أقسم بالشفق } فيها مسألتان :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى في الشفق : قال أشهب ، وعبد الله ، وابن القاسم ، وغيرهم ، وكثير عددهم ، عن مالك : الشفق : الحمرة التي تكون في المغرب ، فإذا ذهبت الحمرة فقد خرج وقت المغرب ، ووجبت صلاة العشاء . وقالابن القاسم ، عن مالك : الشفق : الحمرة فيما يقولون ، ولا أدرى حقيقة ذلك ، ولكني أرى الشفق الحمرة . قال ابن القاسم قال مالك وإنه ليقع في قلبي . وما هو إلا شيء فكرت فيه منذ قريب : أن البياض الذي يكون بعد حمرة الشفق أنه مثل البياض الذي يكون قبل الفجر ، فكما لا يمنع طعاما ولا شرابا من أراد الصيام ، فلا أدري هذا يمنع الصلاة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              وبه قال ابن عمر ، وقتادة ، وشداد بن أوس ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس ، ومعاذ في كثير من التابعين . وروي عن ابن عباس أنه البياض ، وعن أبي هريرة ، وعمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي وأبي حنيفة وجماعة . وروي عن ابن عمر مثله .

                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف في ذلك أهل اللغة اختلافا كثيرا ، واعتضد بعضهم بالاشتقاق وأنه مأخوذ من الرقة ، والذي يعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح { وقت صلاة العشاء ما لم يسقط نور الشفق } ، فهذا يدل على أنه على حالين : كثير وقليل ، وهو الذي توقف فيه [ ص: 319 ] مالك من جهة اشتقاقه ، واختلاف إطلاقه ، ثم فكر فيه منذ قريب ، وذكر كلاما مجملا ، تحقيقه أن الطوالع أربعة : الفجر الأول ، والثاني ، والحمرة ، والشمس . وكذلك الغوارب أربعة : البياض الآخر ، والبياض الذي يليه ، الحمرة ، الشفق .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : كما يتعلق الحكم في الصلاة والصوم بالطالع الثاني من الأول في الطوالع ، كذلك ينبغي أن يتعلق الحكم بالغارب من الآخر ، وهو البياض .

                                                                                                                                                                                                              وقال علماؤهم المحققون : وكما قال { حتى مطلع الفجر } فكان الحكم متعلقا بالفجر الثاني ، كذلك إذا قال حتى يغيب الشفق بتعلق الحكم بالشفق الثاني ; وهذه تحقيقات قوية علينا .

                                                                                                                                                                                                              واعتمد علماؤنا على { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء حين غاب الشفق } والحكم يتعلق بأول الاسم ، وكذلك كنا نقول في الفجر ، إلا أن النص قطع بنا عن ذلك فقال : ليس الفجر أن يكون هذا ورفع يده إلى فوق ، ولكنه أن يكون هكذا وبسطها وقال : ليس المستطيل ، ولكنه المستطير يعني المنتشر ، ولأن النعمان بن بشير قال : { أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثلثيه } وقال الخليل : رقبت مغيب البياض فوجدته يتمادى إلى ثلث الليل . وقال ابن أبي أويس : رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر فلما لم يتحدد وقته منه سقط اعتباره .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية