الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 5223 ] كتاب القراض

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1- (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2- (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243)

                                                                                                                                                                                        3- (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110) [ ص: 5224 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 5225 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب القراض

                                                                                                                                                                                        باب: القراض بالعين ونقر الذهب والحلي والفضة والفلوس

                                                                                                                                                                                        القراض بالدنانير والدراهم جائز، قال الليث: وقد عمل به في الجاهلية والإسلام.

                                                                                                                                                                                        واختلف في جوازه بنقر الذهب والفضة، وبالحلي والفلوس، فأما النقر فيجوز القراض بها في البلد الذي يتبايعون بها فيه ولا خلاف في ذلك.

                                                                                                                                                                                        قال مالك في "كتاب محمد": وقد عمل الناس بالقراض قبل أن تضرب الدنانير والدراهم، ويرد العامل إذا نض المال مثل ما أخذ.

                                                                                                                                                                                        واختلف في القراض بها في البلد الذي لا يتصرف بها فيه على ثلاثة أقوال: بالجواز، والكراهية، والمنع، فروى ابن وهب عن مالك أنه أجاز ذلك وبه آخذ، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: لا يجوز، وهو قول الليث، ولابن القاسم [ ص: 5226 ] في "المستخرجة" الكراهية، فإن نزل مضى، وقال أصبغ في "كتاب محمد": إن وقع لم أفسخه عمل به أو لم يعمل.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما يكون رأس المال، فقال ابن القاسم: إن ضربها فنقصت فإنه يرد مثل ما أخذ في وزنه وطيبه، وقاله ابن حبيب إذا عرف وزنها قال: وإن لم يعرف وزنها كان رأس المال العدد الذي خرج فيها أو الثمن الذي بيعت به، إلا أن يكون قال له: بعها أو استضربها فرأس ماله ما باعها به أو ما خرج في الصرف عرفا الوزن أو لم يعرفاه، وللعامل أجرته في الصرف أو الضرب إن كان لذلك مؤنة، ثم هو فيما حصل على قراض مثله.

                                                                                                                                                                                        واختلف قول مالك في القراض بالحلي، فكرهه في "كتاب محمد" وقال: ليس هذا بقراض الناس بل يبيع ذلك الحلي ويعطيه دنانير أو دراهم، قيل له: ذلك أحب إليك؟ قال: بل هو الشأن، فمن أين يأتي هذا بمثل هذا الخلخال حتى يرد مثله؟! وذكر ابن الجلاب عنه القولين: الجواز، والمنع.

                                                                                                                                                                                        والقراض بالمصوغ على ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        جائز إذا كانوا يتبايعون به، مثل ما [ ص: 5227 ] بالمغرب بأرض المصامدة.

                                                                                                                                                                                        ومكروه إذا كانوا لا يتبايعون به، وكان لا يتعذر عندهم المثل.

                                                                                                                                                                                        وممنوع إذا كان المثل يتعذر كما قال مالك: فمن أين يأتي هذا بمثل الخلخال؟!

                                                                                                                                                                                        واختلف في القراض بالفلوس: بالجواز، والكراهية، والمنع. وأجرى القراض بها على حكمها في الصرف، وأجاز ذلك أشهب وقال: لأنه لا يجوز شراؤها بالدنانير والدراهم نظرة. ومنعه ابن القاسم قال: لأن مالكا كان يجيز شراءها بالدنانير والدراهم نظرة، ولأنها تحول إلى الكساد والفساد.

                                                                                                                                                                                        وقيل له في "كتاب محمد": فإن وقع ذلك؟ فسكت. قال أصبغ: هي عندي كالنقرة وتجري مجرى العين.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: ولا وجه لاعتبار الجواز في القراض بها باعتبارها في الصرف، والمعتبر فيها وجهان: التصرف بها، وتغير صرفها، فإن كان قوم يتبايعون بها ولا يتغير سوقها في الغالب كان القراض بها جائزا مع القول أنها في الصرف كالعروض، وإن كان الغالب أن سوقها لا يثبت وينتقل إلى الرخص والغلاء بالأمر البين لم يجز القراض بها مع القول أنها في الصرف كالعين; لأنه متى تغير صرفها بغلاء كان العامل قد خسر عمله أو بعضه، وإن [ ص: 5228 ] تغير برخص كان ذلك الذي يأخذ من رأس المال من غير عمل فعلة القراض غير علة الصرف.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية