الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          جزاء المتقين والفصل بين الناس

                                                          قال الله (تعالى): إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنـزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد

                                                          [ ص: 4955 ] أشار - سبحانه وتعالى - إلى أصناف الناس في ضلالهم؛ فمنهم من يجادل في الله؛ مقلدا شيطانا مريدا من شياطين الإنس؛ ومنهم من يجادل في الله غير متبع لغيره؛ ولكنه يتبع الهوى؛ فلا يفكر بعلم ضروري؛ أو نظري؛ أو نقل من كتاب منير؛ ومنهم من يعبد الله على طرف يرجو خير الدنيا فقط؛ وينقلب على وجهه إذا أصابه ما يختبر به؛ ليتبين مقدار إيمانه بقضاء الله وقدره؛ وإنه - سبحانه - هو المتصرف كما يريد هو؛ لا كما يريد ذوو الأهواء؛ ومنهم من يدعو ما لا يضر وما لا ينفع؛ ومنهم من يستنصرون بالموالي والعشراء؛ ويحسبون فيهم القوة والنصرة؛ وكل أولئك في النار.

                                                          بعد ذلك بين - سبحانه - جزاء أهل الإيمان الصادق؛ فقال: إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد هذا جزاء المؤمنين الأبرار الذين آمنوا؛ فطهروا قلوبهم وعقولهم من رجس الوثنية؛ وأزالوا ضلال الناس في أنفسهم؛ وفي الاعتماد على غير الله (تعالى)؛ وعملوا الصالحات أي: عملوا كل ما فيه خير للناس؛ وخير لأنفسهم؛ وسلامة اعتقادهم وطاعتهم في عبادتهم؛ وإن الله (تعالى) يسكنهم جنات فيها نعيم دائم مقيم؛ يلتقي فيها نعيم الجسم؛ بسرور النفس؛ فالإقامة دائمة في ريحان الجنة؛ والأنهار تجري من تحت الأشجار؛ فيكون متعة النظر؛ وراحة البصر؛ وإن هذه إرادة الله (تعالى)؛ وقد أكد - سبحانه - هذه الإرادة؛ بقوله (تعالى): إن الله يفعل ما يريد أكد - سبحانه وتعالى - أنه - سبحانه - فاعل مختار؛ لا تصدر عنه الأشياء صدور العلة عن معلولها؛ ولا السبب عن سببه؛ كما ضل الفلاسفة وغيرهم ممن اتبعهم؛ وقد أكد - سبحانه - القول بتأكيدات ثلاثة؛ أولها: "إن "؛ وثانيها: لفظ الجلالة الذي يتضمن الوصف بكل كمال؛ وثالثها: التعبير بالمضارع الذي يدل على أنه - سبحانه - فعل ما أراد؛ ويفعل دائما ما يريد. [ ص: 4956 ] وإنه - سبحانه وتعالى - الفعال لما يريد؛ إن أراد أمرا قال له: "كن "؛ فيكون؛ ولا يريد شرا أبدا؛ وإن نزل بأحد ما يسوؤه فلن يستطيع أحد أن يغيره؛ وإن نال أحد نفعه فلن يمنعه أحد؛ وإن أراد نصرة من غيره فلن تكون إلا بإرادة الله; ولذا قال - عز من قائل -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية