الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ هذه الآية لبطلان وهم من يتوهم أن الله (تعالى) لن ينصره إذا طلب النصرة العادلة منه؛ واعتمد على غيره؛ وذلك رد على من يوالي العباد من الموالي والعشراء في النصرة؛ فالله وحده هو نعم المولى ونعم النصير؛ وبئس من يطلب نصرا من غيره؛ وإنه ناصر نبيه في الدنيا؛ والآخرة.

                                                          والضمير في "ينصره "؛ في قوله (تعالى): من كان يظن أن لن ينصره يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان لم يجر ذكره في الآيات قبله؛ أو في الآية السابقة؛ فإنه حاضر في نفس القارئ للقرآن؛ وفي قلب كل مؤمن؛ فهو حاضر دائما؛ وإن محمدا بعد الهجرة قد قامت حروب بينه وبين المشركين؛ وبينه وبين اليهود؛ والله ناصره دائما؛ ولم يهزم في موقعة؛ وإذا كان قد أصيب بجراح؛ وقتل من قتل في "أحد "؛ فهو لم يهزم؛ ولم يندحر فيها؛ وكان ذلك يغيظ الكافرين؛ وخصوصا اليهود؛ الذين كانوا يجاورونه في المدينة؛ ويذهب بهم في طغيانهم إلى أن يتمنوا ألا ينصره الله (تعالى)؛ كما يتمنى الحاسد الحقود؛ وقد بين - سبحانه - في هذه الآية أن من المستحيل ألا ينصره الله؛ وليموتوا بغيظهم; ولذا قال: من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء من كان يظن مستمرا في ظنه الذي لا يصدق؛ والاستمرار في هذا الظن هو من التعبير بـ "كان "؛ و "أن "؛ مخففة من الثقيلة؛ واسمها الحال والشأن؛ أي: من يظن أن الحال والشأن أن لن ينصر الله محمدا؛ وذلك مستحيل؛ فليمدد بسبب إلى السماء؛ والسبب: الحبل الذي يصعد به على النخل؛ والسماء؛ روي عن ابن عباس أنه قال: إنه سقف البيت؛ أي: [ ص: 4957 ] ليمدد الحبل إلى سقف البيت؛ فإذا وصل وهو متصل به؛ مربوط في عنقه؛ ثم ليقطع ذلك الحبل؛ فيختنق اختناقا؛ قيد هذا الاختناق بذلك الحبل؛ "فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ "؛ والاستفهام بمعنى النفي; ولذا كانت نون التوكيد في الفعل؛ وهي تجيء في الفعل المنفي؛ تأكيدا للنفي؛ وهذا تأكيد فوق تأكيد النفي بمجيئه بصيغة الاستفهام.

                                                          وهذا تخريج صادق كل الصدق؛ وهو في مضمونه كقوله (تعالى): قل موتوا بغيظكم ؛ وإنا نوافق على التخريج ما دام منتجا معنى سليما؛ مستقيما؛ يتفق مع جلال القرآن؛ ومع سياق القصص في السيرة؛ ولكن نخالف فقط تفسير السماء بالسقف؛ فذلك ليس في القرآن؛ إنما تفسر السماء بما هو فوقك؛ من السماء ذات البروج؛ ومعنى "ليمدد "؛ أي: ليمتد بالحبل إلى السماء؛ ثم ليقطعه؛ فإنه يسقط مختنقا مجندلا؛ و "الكيد ": التدبير؛ وإن الله (تعالى) ناصر عبده محمدا في الدنيا؛ والآخرة؛ ولتذهب نفس أعدائه حسرات؛ وكما أن الله (تعالى) ناصر نبيه في الدنيا؛ والآخرة؛ ناصر نبيه: مثبت صدق رسالته بالقرآن المبين؛ ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية