الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أني ]

                                                          أني : أنى الشيء يأني أنيا وإنى وأنى ، وهو أني : حان وأدرك ، وخص بعضهم به النبات . الفراء : يقال ألم يأن وألم يئن لك ، وألم ينل لك وألم ينل لك ، وأجودهن ما نزل به القرآن العزيز ، يعني قوله : ألم يأن للذين آمنوا ، هو من أنى يأني وآن لك يئين . ويقال : أنى لك أن تفعل كذا ونال لك وأنال لك وآن لك ، كل بمعنى واحد ; قال الزجاج : ومعناها كلها حان لك يحين . وفي حديث الهجرة : هل أنى الرحيل أي حان وقته ، وفي رواية : هل آن الرحيل أي قرب . ابن الأنباري : الأنى من بلوغ الشيء منتهاه ، مقصور يكتب بالياء ، وقد أنى يأني ; وقال :


                                                          بيوم أنى ولكل حاملة تمام



                                                          أي أدرك وبلغ . وإنى الشيء : بلوغه وإدراكه . وقد أنى الشيء يأني إنى ، وقد آن أوانك وأينك وإينك . ويقال من الأين : آن يئين أينا . والإناء ، ممدود : واحد الآنية معروف مثل رداء وأردية ، وجمعه آنية ، وجمع الآنية الأواني ، على فواعل جمع فاعلة ، مثل سقاء وأسقية وأساق . والإناء : الذي يرتفق به ، وهو مشتق من ذلك لأنه قد بلغ أن يعتمل بما يعانى به من طبخ أو خرز أو نجارة ، والجمع آنية وأوان ; الأخيرة جمع الجمع مثل أسقية وأساق ، والألف في آنية مبدلة من الهمزة وليست بمخففة عنها لانقلابها في التكسير واوا ، ولولا ذلك لحكم عليه دون البدل لأن القلب قياسي والبدل موقوف . وأنى الماء : سخن وبلغ في الحرارة . وفي التنزيل العزيز : يطوفون بينها وبين حميم آن ; قيل : هو الذي قد انتهى في الحرارة . ويقال : أنى الحميم أي انتهى حره ; ومنه قوله - عز وجل - : حميم آن ، وفي التنزيل العزيز : تسقى من عين آنية ، أي متناهية في شدة الحر ، وكذلك سائر الجواهر . وبلغ الشيء إناه وأناه أي غايته . وفي التنزيل : غير ناظرين إناه ، أي غير منتظرين نضجه وإدراكه وبلوغه . تقول : أنى يأني إذا نضج . وفي حديث الحجاب : غير ناظرين إناه ; الإنى ، بكسر الهمزة والقصر : النضج . والأناة والأنى : الحلم والوقار . وأني وتأنى واستأنى : تثبت . ورجل آن على فاعل أي كثير الأناة والحلم . وأنى أنيا فهو أني : تأخر وأبطأ . وآنى : كأنى . وفي الحديث في صلاة الجمعة : قال لرجل جاء يوم الجمعة يتخطى رقاب الناس : رأيتك آنيت وآذيت ; قال الأصمعي : آنيت أي أخرت المجيء وأبطأت ، وآذيت أي آذيت الناس بتخطيك ; ومنه قيل للمتمكث في الأمور متأن . ابن الأعرابي : تأنى إذا رفق . وآنيت وأنيت بمعنى واحد ، وفي حديث غزوة حنين : اختاروا إحدى الطائفتين إما المال وإما السبي ، وقد كنت استأنيت بكم أي انتظرت وتربصت ; يقال : آنيت وأنيت وتأنيت واستأنيت . الليث : يقال استأنيت بفلان أي لم أعجله . ويقال : استأن في أمرك أي لا تعجل ; وأنشد :

                                                          استأن تظفر في أمورك كلها وإذا عزمت على الهوى فتوكل

                                                          والأناة : التؤدة . ويقال : لا تؤن فرصتك أي لا تؤخرها إذا أمكنتك . وكل شيء أخرته فقد آنيته . الجوهري : آناه يؤنيه إيناء أي أخره وحبسه وأبطأه ; قال الكميت :

                                                          ومرضوفة لم تؤن في الطبخ طاهيا عجلت إلى محورها حين غرغرا

                                                          وتأنى في الأمر أي ترفق وتنظر . واستأنى به أي انتظر به ; يقال : استؤني به حولا . ويقال : تأنيتك حتى لا أناة بي ، والاسم الأناة مثل قناة ; قال ابن بري شاهده :


                                                          الرفق يمن والأناة سعادة



                                                          وآنيت الشيء : أخرته . والاسم منه الأناء على فعال ، بالفتح ; قال الحطيئة :

                                                          [ ص: 184 ] وآنيت العشاء إلى سهيل

                                                          أو الشعرى ، فطال بي الأناء



                                                          التهذيب : قال أبو بكر في قولهم تأنيت الرجل أي انتظرته وتأخرت في أمره ولم أعجل . ويقال : إن خير فلان لبطيء أني ; قال ابن مقبل :


                                                          ثم احتملن أنيا بعد تضحية     مثل المخاريف من جيلان أو هجر



                                                          الليث : أنى الشيء يأني أنيا إذا تأخر عن وقته ; ومنه قوله :


                                                          والزاد لا آن ولا قفار



                                                          أي لا بطيء ولا جشب غير مأدوم ; ومن هذا يقال : تأنى فلان يتأنى ، وهو متأن إذا تمكث وتثبت وانتظر . والأنى : من الأناة والتؤدة ; قال العجاج فجعله الأناء :


                                                          طال الأناء وزايل الحق الأشر



                                                          ، وهي الأناة . قال ابن السكيت : الإنى من الساعات ومن بلوغ الشيء منتهاه ، مقصور يكتب بالياء ويفتح فيمد . وأنشد بيت الحطيئة :


                                                          وآنيت العشاء إلى سهيل



                                                          ورواه أبو سعيد : وأنيت ، بتشديد النون . ويقال : أنيت الطعام في النار إذا أطلت مكثه ، وأنيت في الشيء إذا قصرت فيه . قال ابن بري : أني عن القوم وأنى الطعام عنا إنى شديدا والصلاة أنيا ، كل ذلك : أبطأ . وأنى يأني ويأنى أنيا فهو أني إذا رفق . والأني والإني : الوهن أو الساعة من الليل ، وقيل : الساعة منه أي ساعة كانت . وحكى الفارسي عن ثعلب : إنو ، في هذا المعنى ، قال : وهو من باب أشاوي ، وقيل : الإنى النهار كله ، والجمع آناء وأني ; قال :


                                                          يا ليت لي مثل شريبي من نمي     وهو شريب الصدق ضحاك الأني



                                                          يقول : في أي ساعة جئته وجدته يضحك . والإني : واحد آناء الليل ، وهي ساعاته . وفي التنزيل العزيز : ومن آناء الليل ; قال أهل اللغة منهم الزجاج : آناء الليل ساعاته ، واحدها إني وإنى ، فمن قال إني فهو مثل نحي وأنحاء ، ومن قال إنى فهو مثل معى وأمعاء ، قال الهذلي المتنخل :


                                                          السالك الثغر مخشيا موارده     بكل إني قضاه الليل ينتعل



                                                          قال الأزهري : كذا رواه ابن الأنباري ; وأنشده الجوهري :


                                                          حلو ومر كعطف القدح مرته     في كل إني قضاه الليل ينتعل



                                                          ونسبه أيضا للمتنخل ، فإما أن يكون هو البيت بعينه أو آخر من قصيدة أخرى . وقال ابن الأنباري : واحد آناء على ثلاثة أوجه : إني بسكون النون ، وإنى بكسر الألف ، وأنى بفتح الألف ; وقوله :


                                                          فوردت قبل إنى ضحائها

                                                          ; يروى : إنى وأنى ، وقاله الأصمعي . وقال الأخفش : واحد الآناء إنو ; يقال : مضى إنيان من الليل وإنوان ; وأنشد ابن الأعرابي في الإنى :


                                                          أتمت حملها في نصف شهر     وحمل الحاملات إنى طويل



                                                          ومضى إنو من الليل أي وقت ، لغة في إني . قال أبو علي : وهذا كقولهم : جبوت الخراج جباوة ، أبدلت الواو من الياء . وحكى الفارسي : أتيته آينة بعد آينة ، أي تارة بعد تارة ; كذا حكاه ، قال ابن سيده : وأراه بنى من الإنى فاعلة وروى :


                                                          وآينة يخرجن من غامر ضحل



                                                          والمعروف آونة . وقال عروة في وصية لبنيه : يا بني إذا رأيتم خلة رائعة من رجل فلا تقطعوا إناتكم . وإن كان الناس رجل سوء ; أي رجاءكم ; وقول السلمية أنشده يعقوب :


                                                          عن الأمر الذي يؤنيك عنه     وعن أهل النصيحة والوداد



                                                          قال : أرادت ينئيك من النأي ، وهو البعد ، فقدمت الهمزة قبل النون . الأصمعي : الأناة من النساء التي فيها فتور عن القيام وتأن ; قال أبو حية النميري :


                                                          رمته أناة من ربيعة عامر     نئوم الضحى في مأتم أي مأتم



                                                          والوهنانة نحوها . الليث : يقال للمرأة المباركة الحليمة المواتية أناة ، والجمع أنوات . قال : وقال أهل الكوفة إنما هي الوناة من الضعف ، فهمزوا الواو ، وقال أبو الدقيش : هي المباركة ، وقيل : امرأة أناة أي رزينة لا تصخب ولا تفحش ; قال الشاعر :


                                                          أناة كأن المسك تحت ثيابها     وريح خزامى الطل في دمث الرمل



                                                          قال سيبويه : أصله وناة ، مثل أحد ووحد ، من الونى . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا أن يزوج ابنته من جليبيب ، فقال حتى أشاور أمها ; فلما ذكره لها قالت : حلقى ، ألجليبيب ؟ إنيه ، لا لعمر الله ! ذكره ابن الأثير في هذه الترجمة ، وقال : قد اختلف في ضبط هذه اللفظة اختلافا كثيرا فرويت بكسر الهمزة والنون وسكون الياء وبعدها هاء ، ومعناها أنها لفظة تستعملها العرب في الإنكار ، يقول القائل : جاء زيد ، فتقول أنت : أزيدنيه وأزيد إنيه ، كأنك استبعدت مجيئه . وحكى سيبويه : أنه قيل لأعرابي سكن البلد : أتخرج إذا أخصبت البادية ؟ فقال : أنا إنيه ؟ يعني أتقولون لي هذا القول وأنا معروف بهذا الفعل ؟ كأنه أنكر استفهامهم إياه ، ورويت أيضا بكسر الهمزة وبعدها ياء ساكنة ، ثم نون مفتوحة ، وتقديرها ألجليبيب ابنتي ؟ فأسقطت الياء ووقفت عليها بالهاء ; قال أبو موسى - وهو في مسند أحمد بن حنبل بخط أبي الحسن بن الفرات - وخطه حجة : وهو هكذا معجم مقيد في مواضع ، قال : ويجوز أن لا يكون قد حذف الياء ، وإنما هي ابنة نكرة أي أتزوج جليبيبا ببنت ، يعني أنه لا يصلح أن يزوج ببنت ، إنما يزوج مثله بأمة استنقاصا له ; قال : وقد رويت مثل هذه الرواية الثانية بزيادة ألف ولام للتعريف أي ألجليبيب الابنة ، ورويت ألجليبيب الأمة ؟ تريد الجارية كناية عن بنتها ، ورواه بعضهم أمية أو آمنة على أنه اسم البنت .

                                                          [ ص: 185 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية