الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 410 ] فصل ) ولمن كمل عتقها : فراق العبد فقط بطلقة بائنة ; أو اثنتين [ ص: 411 ] وسقط صداقها قبل البناء ; والفراق إن قبضه السيد وكان عديما [ ص: 412 ] وبعده لها كما لو رضيت وهي مفوضة بما فرضه بعد عتقها لها إلا أن يأخذه السيد أو يشترطه

[ ص: 410 ]

التالي السابق


[ ص: 410 ] فصل ) في خيار الأمة بكمال عتقها تحت عبد

( ولمن ) أي الأمة التي ( كمل ) مثلث الميم والأفصح فتحها أي ثم ( عتقها ) بتنجيز في مرة أو أكثر أو بأدائها ما كوتبت به ، أو موت سيدها وهي أم ولد أو مدبرة حملها ثلثه أو بانقضاء أجل عتقها أو نحو ذلك ( فراق ) زوجها ( العبد ) ولو بشائبة حرية ويحال بينهما حتى تختار بلا حكم إن كانت بالغة رشيدة أو سفيهة وبادرت باختيار نفسها ، فإن كانت صغيرة أو سفيهة لم تبادر فينظر الحاكم لها ، فإن رأى فراقها أمره بطلاقها ، فإن امتنع فهل يطلق أو يأمرها به ثم يشهد عليه قولان ( فقط ) أي لا الحر إذ علة خيارها نقص العبد . وقال العراقيون علته جبرها على النكاح فلها الخيار في الحر أيضا ، ومفهوم كمل عتقها أنها لا تخير بعتق بعضها أو تدبيرها أو كتابتها أو عتقها لأجل قبل انقضائه ، أو إيلادها سيدها بوطئها بعد استبرائها من ماء زوجها فحملت منه وتفارقه ( بطلقة ) بأن تقول طلقت نفسي أو أنا وأنت طالق ، أو اخترت نفسي أو الفراق ( بائنة ) بيان لحكمها بعد وقوعها وليس من صيغتها وإن كان بتاتا .

وساوى قوله ( أو اثنتين ) وأو لحكاية الخلاف فالأول قول أكثر الرواة ، والثاني قول المدونة إليه رجع الإمام مالك رضي الله عنه ، فلو قال وهل بطلقة أو اثنتين لكان أبين قاله تت ، وهو إنما هو فيما بعد الوقوع وأما ابتداء فمتفق على أمرها بإيقاع واحدة والمشهور الأول لأنه قول أكثر الرواة .

طفى صرح الشراح بمثل هذا وهو إخراج لكلام المصنف عن ظاهره بلا داع من كون أو للتخيير ، وكونه على المرجوع إليه ففيها في النكاح الأول . مالك رضي الله عنه للأمة إذا عتقت تحت العبد أن تختار نفسها بالبتات على حديث زيد ، وكان مالك رضي الله عنه يقول [ ص: 411 ] لا تختار إلا واحدة بائنة ، وقاله أكثر الرواة . وفي كتاب الأيمان بالطلاق أول قول مالك رضي الله عنه أنه ليس لها أن تختار بأكثر من واحدة ثم رجع إلى أن ذلك لها . ا هـ . فقوله بطلقة بائنة أو اثنتين إشارة لقول مالك رضي الله عنه ذلك لها .

فإن قلت هذا إن فهم منها التخيير كما قلت وإن حمل على أنه بعد الوقوع لا يأتي التخيير إلا بتكلف . قلت فإن حمل على ما بعد الوقوع فلا يتأتى التنويع إلا بتكلف أيضا ، فكذا يتكلف للتخيير مع بقاء كلامه على ظاهره .

واختلف فيما تحمل عليه ابن عرفة ظاهر نقل اللخمي وغير واحد أن اختلاف قول مالك رضي الله عنه فيما زاد على الواحد إنما هو بعد الوقوع وظاهر كلام الباجي وأبي عمران وأول كلام المتيطي أنه قبل الوقوع وهو ظاهر كلام البرادعي في النكاح الأول . ابن عرفة والصواب الأول .

( وسقط ) عن الزوج العبد ( صداقها ) كله أي من كمل عتقها باختيارها فراقه ( قبل البناء ) لأن الفراق جاء منها مع بقاء سلعتها . ابن الحاجب فإن اختارت فراقه قبل البناء فلا صداق . ضيح يعني أنه لا يكون لها نصفه وفيها وإن اختارت فراقه قبل البناء فلا مهر لها والله أعلم .

( و ) سقط ( الفراق ) وتعين بقاؤها زوجة ( إن ) أعتقت قبل البناء وقد ( قبضه ) أي الصداق ( السيد ) قبل عتقها وأنفقه ( وكان ) السيد ( عديما ) يوم عتقها كما في عبارة ابن شاس وابن عرفة ، واستمر عدمه إلى وقت الحكم لأنها إن اختارت الفراق رجع زوجها على سيدها بصداقها ولا مال له إلا هي فيرد عتقها لدين صداقها ، فترجع رقيقة فيسقط خيارها فقد أدى ثبوته لنفيه ، وكل ما أدى ثبوته لنفيه منتف ، ومفهوم عديما أنه إن كان مليئا يوم عتقها أو بقي صداقها بيده فلها الخيار وهو كذلك ، ولو أعدم السيد بعد ذلك ويتبعه الزوج به في ذمته لطريان الدين بعد العتق فلا يبطله . [ ص: 412 ]

( و ) إن أعتقت ( بعده ) أي البناء ولو نكاح تفويض فهو ( لها ) لاستحقاقها إياه بالبناء فهو من مالها ، ومال الرقيق يتبعه في العتق ، وشبه في كونه لها فقال ( كما لو ) تم عتقها وفرض زوجها لها صداقها و ( رضيت ) الأمة ( و ) الحال ( هي مفوضة ) بضم الميم وفتح الفاء والواو مثقلة ، أي معقود نكاحها بلا ذكر مهر ، وصلة رضيت ( بما ) أي الصداق الذي ( فرضه ) الزوج ( بعد عتقها لها ) وقبل بنائه بها فهو لها ولو اشترطه السيد لأنه لم يكن مالها حين عتقها ، أو شرطها إنما يتعلق بمالها حينه ، وهذا تجدد لها بعده ، فإن كان بنى بها قبل الفرض فلها صداق مثلها وإن لم ترض به . ومفهوم بعد عتقها أن ما فرضه قبل عتقها فهو لها إلا أن يشترطه السيد ففيه تفصيل .

واستثني من قوله بعده لها فقال ( إلا أن يأخذه ) أي الصداق ( السيد ) من الزوج قبل عتقها فهو له لأنه كاشتراطه وانتزاعه أفاده العوفي ( أو يشترط ) السيد أخذ ( هـ ) حين عتقها بعد البناء بها فهو له لأنها ملكته بالبناء بها فصار من مالها قبل عتقها . ابن عرفة لو استثنى من أعتق أمته قبل البناء مهرها صح في نكاح التسمية ، وبطل في التفويض قبل فرضه إذ ليس بمالها فيشترطه .




الخدمات العلمية