الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الإذن بالجهاد

                                                          قال الله (تعالى): إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور

                                                          [ ص: 4990 ] الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ؛ وإذا كان الذين آمنوا أولياء الله؛ فإنه يتولى الدفاع عنهم؛ وحمايتهم؛ ما داموا قائمين على الحق؛ يستمسكون بالعروة الوثقى; ولذا قال (تعالى): إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور لقد دافع الله عن الذين آمنوا؛ فحفظهم في مكة؛ وإذا كانوا قد تعرضوا للأذى؛ فقد حماهم الله بالصبر؛ والهجرة؛ فارين بدينهم إلى الحبشة مرتين؛ ثم إلى المدينة؛ وأفرغ عليهم الصبر؛ واحتموا بحمايته؛ وهو عدة المؤمنين؛ ولما هاجروا إلى المدينة خف عنهم الإيذاء؛ وزال؛ ولكن كتب عليهم الجهاد؛ وأذن لهم في القتال؛ فكانت حماية الله (تعالى) أوضح؛ ونجد هنا أنه - سبحانه - عبر بالمضارع والمستقبل؛ أي أن الله من شأنه أن يدافع عن الذين آمنوا; لأنهم أولياؤه؛ وأحباؤه؛ ومن نصبهم للدفاع عن الحق؛ ودين الحق؛ وقد أكد الله دفاعه عن الحق بـ "إن "؛ وذكر لفظ الجلالة "الله " - جل جلاله - القوي المنتقم؛ ومن ينصره الله فلا غالب له؛ وقد أكد - سبحانه - دفاعه بأنه - سبحانه - لا يحب أعداءهم؛ لأنهم أعداء الحق المتألبون عليه; ولأنهم خائنون؛ وأشد الناس كفرا؛ فقال - عز من قائل -: إن الله لا يحب كل خوان كفور فهذه الجملة السامية في مقام التعليل لمدافعته - سبحانه - عن المؤمنين; إذ هو - سبحانه - لا يحب مقاتليهم؛ قد ذكر وصفين من أوصافهم؛ هما سبب أن الله (تعالى) لا يحبهم؛ الوصف الأول: الخيانة؛ التي بالغوا في الاتصاف بها؛ والوصف الثاني: الكفر؛ الذي أوغلوا فيه وأمعنوا; ولذا عبر بـ خوان كفور والخيانة تتضمن مخالفة الفطرة؛ وتتضمن عدم طاعة أوامره ونواهيه؛ وتتضمن عبادتهم أحجارا؛ وإشراكهم مع الله؛ وتتضمن خيانة المؤمنين؛ ونكث العهود؛ كما كان يفعل اليهود الذين حاربوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومالؤوا أعداءه وعاونوهم؛ [ ص: 4991 ] حتى برز لهم؛ وأجلاهم من ديارهم؛ وقتل رؤوس الفساد فيهم؛ وغزاهم في خيبر.

                                                          و "الكفور "؛ هو الذي أشرك؛ وسيطرت عليه الأوهام؛ وكفر بنعمة الله (تعالى) وافترى على الله (تعالى)؛ فادعى أن الله حرم؛ وما حرم؛ وأحل؛ وما أحل.

                                                          وقد ذكر - سبحانه - الكلية؛ فقال: كل خوان كفور لعمومهم في الخيانة آحادا؛ وجماعات؛ فليس منهم إلا خوان كفور.

                                                          وقال (تعالى): "يدافع "؛ بصيغة المفاعلة؛ للدلالة على المغالبة بين الحق والباطل؛ وأن الله معهم في هذه المغالبة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية