الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ درر ]

                                                          درر : در اللبن والدمع ونحوهما يدر ويدر درا ودرورا ; وكذلك الناقة إذا حلبت فأقبل منها على الحالب شيء كثير قيل : درت ، وإذا اجتمع في الضرع من العروق وسائر الجسد قيل : در اللبن .

                                                          والدرة ، بالكسر : كثرة اللبن وسيلانه .

                                                          وفي حديث خزيمة : غاضت لها الدرة ، وهي اللبن إذا كثر وسال ; واستدر اللبن والدمع ونحوهما : كثر ; قال أبو ذؤيب :


                                                          إذا نهضت فيه تصعد نفرها كقتر الغلاء مستدر صيابها

                                                          استعار الدر لشدة دفع السهام ، والاسم الدرة والدرة ; ويقال : لا آتيك ما اختلفت الدرة والجرة ، واختلافهما أن الدرة تسفل والجرة تعلو .

                                                          والدر : اللبن ما كان ; قال :


                                                          طوى أمهات الدر حتى كأنها     فلافل هندي فهن لزوق

                                                          أمهات الدر : الأطباء .

                                                          وفي الحديث : أنه نهى عن ذبح ذوات الدر أي ذوات اللبن ، ويجوز أن يكون مصدر در اللبن إذا جرى ; ومنه الحديث : لا يحبس دركم ; أي ذوات الدر ، أراد أنها لا تحشر إلى المصدق ولا تحبس عن المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثم تعد لما في ذلك من الإضرار بها . ابن الأعرابي : الدر العمل من خير أو شر ; ومنه قولهم : لله درك ، يكون مدحا ويكون ذما ، كقولهم : قاتله الله ما أكفره وما أشعره .

                                                          وقالوا : لله درك أي لله عملك ! يقال هذا لمن يمدح ويتعجب من عمله ، فإذا ذم عمله قيل : لا در دره ! وقيل : لله درك من رجل ! معناه لله خيرك وفعالك ، وإذا شتموا قالوا : لا در دره أي لا كثر خيره ، وقيل : لله درك أي لله ما خرج منك من خير . قال ابن سيده : وأصله أن رجلا رأى آخر يحلب إبلا فتعجب من كثرة لبنها فقال : لله درك ، وقيل : أراد لله صالح عملك لأن الدر أفضل ما يحتلب ; قال بعضهم : وأحسبهم خصوا اللبن لأنهم كانوا يفصدون الناقة فيشربون دمها ويفتظونها فيشربون ماء كرشها فكان اللبن أفضل ما يحتلبون ، وقولهم : لا در دره لا زكا عمله ، على المثل ، وقيل : لا در دره أي لا كثر خيره . قال أبو بكر : وقال أهل اللغة في قولهم لله دره ; الأصل فيه أن الرجل إذا كثر خيره وعطاؤه وإنالته الناس قيل : لله دره أي عطاؤه وما يؤخذ منه ، فشبهوا عطاءه بدر الناقة ثم كثر استعمالهم حتى صاروا يقولونه لكل متعجب منه ; قال الفراء : وربما استعملوا من غير أن يقولوا لله فيقولون : در در فلان ولا در دره ; وأنشد :


                                                          در در الشباب والشعر الأس     ود . . . . . . . . . . . . .

                                                          وقال آخر :


                                                          لا در دري إن أطعمت نازلهم     قرف الحتي وعندي البر مكنوز

                                                          وقال ابن أحمر :


                                                          بان الشباب وأفنى ضعفه العمر     لله دري فأي العيش أنتظر ؟

                                                          تعجب من نفسه أي عيش منتظر ; ودرت الناقة بلبنها وأدرته .

                                                          ويقال : درت الناقة تدر وتدر درورا ودرا وأدرها فصيلها وأدرها ماريها دون الفصيل إذا مسح ضرعها .

                                                          وأدرت الناقة ، فهي مدر إذا در لبنها .

                                                          وناقة درور : كثيرة الدر ، ودار أيضا ، وضرة درور كذلك ; قال طرفة :


                                                          من الزمرات أسبل قادماها     وضرتها مركنة درور

                                                          وكذلك ضرع درور ، وإبل درر ودرر ودرار مثل كافر وكفار ; قال :


                                                          كان ابن أسماء يعشوها ويصبحها     من هجمة كفسيل النخل درار

                                                          قال ابن سيده : وعندي أن درارا جمع دارة على طرح الهاء .

                                                          واستدر الحلوبة : طلب درها .

                                                          والاستدرار أيضا : أن تمسح الضرع [ ص: 242 ] بيدك ثم يدر اللبن .

                                                          ودر الضرع باللبن يدر درورا ، ودرت لقحة المسلمين وحلوبتهم يعني فيئهم وخراجهم ، وأدره عماله ، والاسم من كل ذلك الدرة .

                                                          ودر الخراح يدر إذا كثر .

                                                          وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه أوصى إلى عماله حين بعثهم فقال في وصيته لهم : أدروا لقحة المسلمين ; قال الليث : أراد بذلك فيئهم وخراجهم فاستعار له اللقحة والدرة .

                                                          ويقال للرجل إذا طلب الحاجة فألح فيها : أدرها وإن أبت أي عالجها حتى تدر ، يكنى بالدر هنا عن التيسير .

                                                          ودرت العروق إذا امتلأت دما أو لبنا .

                                                          ودر العرق : سال . قال : ويكون درور العرق تتابع ضربانه كتتابع درور العدو ; ومنه يقال : فرس درير .

                                                          وفي صفة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذكر حاجبيه : بينهما عرق يدره الغضب ; يقول : إذا غضب در العرق الذي بين الحاجبين ، ودروره غلظه وامتلاؤه ; وفي قولهم : بين عينيه عرق يدره الغضب ، ويقال يحركه ، قال ابن الأثير : معناه أي يمتلئ دما إذا غضب كما يمتلئ الضرع لبنا إذا در .

                                                          ودرت السماء بالمطر درا ودرورا إذا كثر مطرها ; وسماء مدرار وسحابة مدرار .

                                                          والعرب تقول للسماء إذا أخالت : دري دبس ، بضم الدال ; قاله ابن الأعرابي ، وهو من در يدر .

                                                          والدرة في الأمطار : أن يتبع بعضها بعضا ، وجمعها درر .

                                                          وللسحاب درة أي صب ، والجمع درر ; قال النمر بن تولب :


                                                          سلام الإله وريحانه     ورحمته وسماء درر
                                                          غمام ينزل رزق العباد     فأحيا البلاد وطاب الشجر

                                                          سماء درر أي ذات درر .

                                                          وفي حديث الاستسقاء : ديما دررا هو جمع درة . يقال للسحاب درة أي صب واندفاق ، وقيل : الدرر الدار ، كقوله تعالى : دينا قيما ; أي قائما .

                                                          وسماء مدرار أي تدر بالمطر .

                                                          والريح تدر السحاب وتستدره أي تستجلبه ; وقال الحادرة واسمه قطبة بن أوس الغطفاني :


                                                          فكأن فاها بعد أول رقدة     ثغب برابية لذيذ المكرع
                                                          بغريض سارية أدرته الصبا     من ماء أسحر طيب المستنقع

                                                          والثغب : الغدير في ظل جبل لا تصيبه الشمس ، فهو أبرد له .

                                                          والغريض : الماء الطري وقت نزوله من السحاب .

                                                          وأسحر : غدير حر الطين ; قال ابن بري : سمي هذا الشاعر بالحادرة لقول زبان بن سيار فيه :


                                                          كأنك حادرة المنكبي     ن رصعاء تنقض في حادر

                                                          قال : شبهه بضفدعة تنقض في حائر ، وإنقاضها : صوتها .

                                                          والحائر : مجتمع الماء في منخفض من الأرض لا يجد مسربا .

                                                          والحادرة : الضخمة المنكبين .

                                                          والرصعاء والرسحاء : الممسوحة العجيزة .

                                                          وللساق درة : استدرار للجري .

                                                          وللسوق درة أي نفاق .

                                                          ودرت السوق : نفق متاعها ، والاسم الدرة .

                                                          ودر الشيء : لان ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          إذا استدبرتنا الشمس درت متوننا     كأن عروق الجوف ينضحن عندما

                                                          وذلك لأن العرب تقول : إن استدبار الشمس مصحة ; وقوله أنشده ثعلب :


                                                          تخبط بالأخفاف والمناسم     عن درة تخضب كف الهاشم

                                                          فسره فقال : هذه حرب شبهها بالناقة ، ودرتها : دمها .

                                                          ودر النبات : التف .

                                                          ودر السراج إذا أضاء ; وسراج دار ودرير .

                                                          ودر الشيء إذا جمع ، ودر إذا عمل .

                                                          والإدرار في الخيل : أن يقل الفرس يده حين يعتق فيرفعها وقد يضعها .

                                                          ودر الفرس يدر دريرا ودرة : عدا عدوا شديدا .

                                                          ومر على درته أي لا يثنيه شيء .

                                                          وفرس درير : مكتنز الخلق مقتدر ; قال امرؤ القيس :


                                                          درير كخذروف الوليد أمره     تتابع كفيه بخيط موصل

                                                          ويروى : تقلب كفيه ، وقيل : الدرير من الخيل السريع منها ، وقيل : هو السريع من جميع الدواب ; قال أبو عبيدة : الإدرار في الخيل أن يعتق فيرفع يدا ويضعها في الخبب ; وأنشد أبو الهيثم :


                                                          لما رأت شيخا لها دردرى     في مثل خيط العهن المعرى

                                                          قال : الدردرى من قولهم فرس درير ، والدليل عليه قوله :


                                                          في مثل خيط العهن المعرى

                                                          يريد به الخذروف ، والمعرى جعلت له عروة .

                                                          وفي حديث أبي قلابة : صليت الظهر ثم ركبت حمارا دريرا ; الدرير : السريع العدو من الدواب المكتنز الخلق ، وأصل الدر في كلام العرب اللبن .

                                                          ودر وجه الرجل يدر إذا حسن وجهه بعد العلة . الفراء : والدردرى الذي يذهب ويجيء في غير حاجة .

                                                          وأدرت المرأة المغزل ، وهي مدرة ومدر ; الأخيرة على النسب ، إذا فتلته فتلا شديدا فرأيته كأنه واقف من شدة دورانه . قال : وفي بعض نسخ الجمهرة الموثوق بها : إذا رأيته واقفا لا يتحرك من شدة دورانه .

                                                          والدرارة : المغزل الذي يغزل به الراعي الصوف ; قال :


                                                          جحنفل يغزل بالدرارة

                                                          وفي حديث عمرو بن العاص أنه قال لمعاوية : " أتيتك وأمرك أشد انفضاحا من حق الكهول فما زلت أرمه حتى تركته مثل فلكة المدر " ; قال : وذكر القتيبي هذا الحديث فغلط في لفظه ومعناه ، وحق الكهول بيت العنكبوت ، وأما المدر ، فهو بتشديد الراء ، الغزال ; ويقال للمغزل نفسه الدرارة والمدرة ، وقد أدرت الغازلة درارتها إذا أدارتها لتستحكم قوة ما تغزله من قطن أو صوف ، وضرب فلكة المدر مثلا لإحكامه أمره بعد استرخائه واتساقه بعد اضطرابه ، وذلك لأن الغزال لا يألوا إحكاما وتثبيتا لفلكة مغزله لأنه إذا قلق لم تدر الدرارة ; وقال القتيبي : أراد بالمدر الجارية إذا فلك ثدياها ودر فيهما الماء ، يقول : [ ص: 243 ] كان أمرك مسترخيا فأقمته حتى صار كأنه حلمة ثدي قد أدر ، قال : والأول الوجه .

                                                          ودر السهم درورا : دار دورانا جيدا ، وأدره صاحبه ، وذلك إذا وضع السهم على ظفر إبهام اليد اليسرى ثم أداره بإبهام اليد اليمنى وسبابتها ; حكاه أبو حنيفة ، قال : ولا يكون درور السهم ولا حنينه إلا من اكتناز عوده وحسن استقامته والتئام صنعته .

                                                          والدرة ، بالكسر : التي يضرب بها ، عربية معروفة ، وفي التهذيب : الدرة درة السلطان التي يضرب بها .

                                                          والدرة : اللؤلؤة العظيمة ; قال ابن دريد : هو ما عظم من اللؤلؤ ، والجمع در ودرات ودرر ; وأنشد أبو زيد للربيع بن ضبع الفزاري :


                                                          أقفر من مية الجريب إلى الزج     جين إلا الظباء والبقرا
                                                          كأنها درة منعمة     في نسوة كن قبلها دررا

                                                          وكوكب دري ودري : ثاقب مضيء ، فأما دري فمنسوب إلى الدر ، قال الفارسي : ويجوز أن يكون فعيلا على تخفيف الهمزة قلبا لأن سيبويه حكى عن ابن الخطاب كوكب دريء ، قال : فيجوز أن يكون هذا مخففا منه ، وأما دري فيكون على التضعيف أيضا ، وأما دري فعلى النسبة إلى الدر فيكون من المنسوب الذي على غير قياس ، ولا يكون على التخفيف الذي تقدم لأن فعيلا ليس من كلامهم إلا ما حكاه أبو زيد من قولهم سكينة ; في السكينة ; وفي التنزيل : كأنها كوكب دري ; قال أبو إسحاق : من قرأه بغير همزة نسبه إلى الدر في صفائه وحسنه وبياضه ، وقرئت دري ، بالكسر ، قال الفراء : ومن العرب من يقول دري ينسبه إلى الدر ، كما قالوا بحر لجي ولجي وسخري وسخري ، وقرئ دريء ، بالهمزة ، وقد تقدم ذكره ، وجمع الكواكب دراري .

                                                          وفي الحديث : كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء ; أي الشديد الإنارة .

                                                          وقال الفراء : الكوكب الدري عند العرب هو العظيم المقدار ، وقيل : هو أحد الكواكب الخمسة السيارة .

                                                          وفي حديث الدجال : إحدى عينيه كأنها كوكب دري .

                                                          ودري السيف : تلألؤه وإشراقه ، إما أن يكون منسوبا إلى الدر بصفائه ونقائه ، وإما أن يكون مشبها بالكوكب الدري ; قال عبد الله بن سبرة :


                                                          كل ينوء بماضي الحد ذي شطب     عضب جلا القين عن دريه الطبعا

                                                          ويروى عن ذريه يعني فرنده منسوب إلى الذر الذي هو النمل الصغار ، لأن فرند السيف يشبه بآثار الذر ; وبيت دريد يروى على الوجهين جميعا :


                                                          وتخرج منه ضرة القوم مصدقا     وطول السرى دري عضب مهند

                                                          وذري عضب .

                                                          ودرر الطريق : قصده ومتنه ، ويقال : هو على درر الطريق أي على مدرجته ، وفي الصحاح : أي على قصده .

                                                          ويقال : داري بدرر دارك أي بحذائها إذا تقابلتا ، ويقال : هما على درر واحد ، بالفتح ، أي على قصد واحد .

                                                          ودرر الريح : مهبها ; وهو دررك أي حذاؤك وقبالتك .

                                                          ويقال : دررك أي قبالتك ; قال ابن أحمر :


                                                          كانت مناجعها الدهنا وجانبها     والقف مما تراه فوقه دررا

                                                          واستدرت المعزى : أرادت الفحل . الأموي : يقال للمعزى إذا أرادت الفحل : قد استدرت استدرارا ، وللضأن : قد استوبلت استيبالا ، ويقال أيضا : استذرت المعزى استذراء من المعتل ، بالذال المعجمة .

                                                          والدر : النفس ، ودفع الله عن دره أي عن نفسه ; حكاه اللحياني .

                                                          ودر : اسم موضع ; قالت الخنساء :


                                                          ألا يا لهف نفسي بعد عيش     لنا بجنوب در فذي نهيق

                                                          والدردرة : حكاية صوت الماء إذا اندفع في بطون الأودية .

                                                          والدردور : موضع في وسط البحر يجيش ماؤه لا تكاد تسلم منه السفينة ; يقال : لججوا فوقعوا في الدردور .

                                                          الجوهري : الدردور الماء الذي يدور ويخاف منه الغرق .

                                                          والدردر : منبت الأسنان عامة ، وقيل : منبتها قبل نباتها وبعد سقوطها ، وقيل : هي مغارزها من الصبي ، والجمع الدرادر ; وفي المثل : أعييتني بأشر فكيف أرجوك بدردر ؟ قال أبو زيد : هذا رجل يخاطب امرأته يقول : لم تقبلي الأدب وأنت شابة ذات أشر في ثغرك فكيف الآن وقد أسننت حتى بدت درادرك .

                                                          ، وهي مغارز الأسنان ؟ ودرد الرجل إذا سقطت أسنانه وظهرت درادرها ، وجمعه الدرد ، ومثله : أعييتني من شب إلى دب أي من لدن شببت إلى أن دببت .

                                                          وفي حديث ذي الثدية المقتول بالنهروان : كانت له ثدية مثل البضعة تدردر أي تمزمز وترجرج تجيء وتذهب ، والأصل تتدردر فحذفت إحدى التاءين تخفيفا ; ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الأليتين فإذا مشت رجفتا : هي تدردر ; وأنشد :


                                                          أقسم إن لم تأتنا تدردر     ليقطعن من لسان دردر

                                                          قال : والدردر هاهنا طرف اللسان ، ويقال : هو أصل اللسان ، وهو مغرز السن في أكثر الكلام .

                                                          ودردر البسرة : دلكها بدردره ولاكها ; ومنه قول بعض العرب وقد جاءه الأصمعي : أتيتني وأنا أدردر بسرة .

                                                          ودراية : من أسماء النساء .

                                                          والدردار : ضرب من الشجر معروف .

                                                          وقولهم : ده درين وسعد القين ، من أسماء الكذب والباطل ، ويقال : أصله أن سعد القين كان رجلا من العجم يدور في مخاليف اليمن يعمل لهم ، فإذا كسد عمله قال بالفارسية : ده بدرود ، كأنه يودع القرية أي أنا خارج غدا ، وإنما يقول ذلك ليستعمل ، فعربته العرب وضربوا به المثل في الكذب .

                                                          وقالوا : إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح ; قال ابن بري : والصحيح في هذا المثل ما رواه الأصمعي وهو : دهدرين سعد القين ، من غير واو عطف وكون دهدرين متصلا غير منفصل ، قال أبو علي : هو تثنية دهدر وهو الباطل ، ومثله الدهدن في اسم الباطل أيضا فجعله عربيا ، قال : والحقيقة فيه أنه اسم لبطل كسرعان وهيهات اسم لسرع وبعد ، وسعد فاعل به والقين نعته ، وحذف التنوين منه لالتقاء الساكنين ، ويكون على [ ص: 244 ] حذف مضاف تأويله بطل قول سعد القين ، ويكون المعنى على ما فسره أبو علي : أن سعد القين كان من عادته أن ينزل في الحي فيشيع أنه غير مقيم ، وأنه في هذه الليلة يسري غير مصبح ليبادر إليه من عنده ما يعمله ويصلحه له ، فقالت العرب : إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح ; ورواه أبو عبيدة معمر بن المثنى : دهدرين سعد القين ، بنصب سعد ، وذكر أن دهدرين منصوب على إضمار فعل ، وظاهر كلامه يقضي أن دهدرين اسم للباطل تثنية دهدر ولم يجعله اسما للفعل كما جعله أبو علي ، فكأنه قال : اطرحوا الباطل وسعد القين فليس قوله بصحيح ، قال : وقد رواه قوم كما رواه الجوهري منفصلا فقالوا ده درين وفسر بأن ده فعل أمر من الدهاء إلا أنه قدمت الواو التي هي لامه إلى موضع عينه فصار دوه ، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار ده كما فعلت في قل ، ودرين من در يدر إذا تتابع ، ويراد هاهنا بالتثنية التكرار ، كما قالوا لبيك وحنانيك ودواليك ، ويكون سعد القين منادى مفردا والقين نعته ، فيكون المعنى : بالغ في الدهاء والكذب يا سعد القين ; قال ابن بري : وهذا القول حسن إلا أنه كان يجب أن تفتح الدال من درين لأنه جعله من در يدر إذا تتابع ، قال : وقد يمكن أن يقول إن الدال ضمت للإتباع إتباعا لضمة الدال من ده والله تعالى أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية