الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          خلق الكون ونعم الله على الإنسان

                                                          قال (تعالى): ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنـزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون

                                                          [ ص: 5057 ] بعد أن بين الله (تعالى) خلق الإنسان؛ وما فيه من عجائب تدل على قدرة الله (تعالى) - جل وعز - أخذ يبين - سبحانه وتعالى - خلق ما هو أكبر من الإنسان؛ وما فيه حياة الإنسان ومعاشه؛ وما هو مسخر له في السماوات والأرض؛ فقال (تعالى): ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين ؛ " الطرائق " ؛ جمع " طريقة " ؛ وهي هنا بمعنى " مطروقة " ؛ من طرق النقل؛ من حيث إنها مسالك؛ ومن طرق الخوافي في الطير؛ بمعنى أن كل طبقة منها فوق الطبقة الأخرى؛ وطرائق السماء: أفلاكها؛ إذ كل فلك فوق الفلك الآخر؛ وكل مربوطة بأرسان من الجاذبية والنواميس الكونية؛ بحيث تكون متماسكة؛ كل نجم وكوكب فيها مشدود بالآخر؛ كأن حبلا؛ أو سلكا يمسكه؛ وفسر بعض علماء الفلك هذا النص السامي بأن " سبع طرائق " : سبعة أفلاك؛ لكل سماء طريق يجري بما فيها من الأقمار والنجوم.

                                                          وقوله (تعالى): وما كنا عن الخلق غافلين ؛ أي أن هذه الطرائق بما فيها من كواكب ونجوم مسخرات بأمره - سبحانه -؛ يجري كل تحت رعاية الله (تعالى) وعينه؛ وهو القائم على كل شيء؛ يسيره بأمره - سبحانه -؛ إنه عليم خبير؛ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؛ ونفى - سبحانه وتعالى - الغفلة عن ذاته العلية؛ وهي منفية بحكم علمه الكامل؛ ولكن كان نفي الغفلة كناية عن كمال عنايته بخلقه؛ وأنه يمسك السماوات والأرض أن تزولا؛ وأن كل الوجود تحت رعايته وعنايته؛ وأنه يسير بأمره؛ وعلى مقتضى إرادته النافذة؛ وحكمته العالية.

                                                          وصيغة النفي تدل على أن الغفلة ليست من شأنه (تعالى)؛ لأنه نفى الكينونة بقوله (تعالى): وما كنا عن الخلق غافلين ؛ أي: ليس من شأننا أن نغفل عن خلقنا؛ بل نحن قائمون عليه؛ مراقبون له؛ محافظون عليه؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية