الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد بين - سبحانه وتعالى - العبرة في هذا القصص المحكم الخاص بنوح وقومه؛ فقال - عز من قائل -: إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين ؛ أي أن في ذلك القصص الخاص بنوح وقومه؛ وكيف أرهقوه من أمر الرسالة عسرا؛ لآيات وعبرا للذين يستبصرون؛ ويدركون أن الأمور البالية يتعرض أصحابها للمشقات؛ من أهل الباطل والضلال؛ وقد كان إحجام الضالين أولا؛ لأنه بشر مثلهم؛ ولأنهم ينكرون البعث؛ ولا يؤمنون به؛ ولأنه اتبعه الضعفاء والفقراء الذين ازدرتهم أعين المستكبرين؛ وهكذا مما ابتليت به أنت؛ وكانت الآية الأخيرة أن الله (تعالى) أغرقهم؛ وقطع دابر الذين ظلموا؛ وفيه آية سامية في علوها؛ وهي أن الزلفى عند الله بالحق والإيمان به؛ لا بالقرابة؛ فهذا ابن نوح؛ كان من المغرقين؛ مع أنه أقرب الناس إلى نوح.

                                                          وإن من فضل الله (تعالى) وشأنه؛ أن يعامل الأخيار معاملة المختبرين؛ ولذا قال (تعالى): وإن كنا لمبتلين ؛ " إن " ؛ هنا؛ هي المخففة من الثقيلة؛ وإنها ضمير الشأن؛ [ ص: 5068 ] والمعنى؛ " وإن الحال والشأن للذات العلية كنا لمبتلين " ؛ و " كان " ؛ تدل على الدوام؛ واللام واقعة في خبر إن؛ مميزة لها؛ و " مبتلين " ؛ خبر " كنا " ؛ وهي اسم فاعل؛ لا اسم مفعول؛ أي: إن الحال والشأن أن نعامل الأبرار معاملة المختبرين؛ لكي يعرف خيرهم؛ ويظهر استحقاقهم للثواب؛ وإن المخير لا يأتي عفوا سهلا ميسرا؛ لا بد له من جهاد؛ وعلى قدر الجهاد يكون الثواب؛ وكان حقا على محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يجاهد المشركين؛ ولا ييأس من نصر الله؛ ولله ورسوله الغلبة والعزة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية