الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في كتبه ورسله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك

لما رجع من الحديبية كتب إلى ملوك الأرض وأرسل إليهم رسله ، فكتب إلى ملك الروم ، فقيل له : إنهم لا يقرءون كتابا إلا إذا كان مختوما فاتخذ خاتما من فضة ونقش عليه ثلاثة أسطر : محمد سطر ، ورسول سطر ، والله سطر ، وختم به الكتب إلى الملوك ، وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع .

فأولهم عمرو بن أمية الضمري ، بعثه إلى النجاشي ، واسمه أصحمة بن أبجر ، وتفسير "أصحمة" بالعربية : عطية ، فعظم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أسلم وشهد شهادة الحق ، وكان من أعلم الناس بالإنجيل ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة ، هكذا قال جماعة ، منهم الواقدي وغيره ، وليس كما قال هؤلاء ، فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو الذي كتب إليه ، هذا الثاني لا يعرف إسلامه بخلاف الأول فإنه مات مسلما .

وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث قتادة ، عن أنس قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى [ ص: 117 ] كسرى ، وإلى قيصر ، وإلى النجاشي ، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى ، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو محمد بن حزم : إن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري لم يسلم ، والأول هو اختيار ابن سعد وغيره ، والظاهر قول ابن حزم .

وبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم ، واسمه هرقل وهم بالإسلام وكاد ، ولم يفعل ، وقيل : بل أسلم ، وليس بشيء .

وقد روى أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( : من ينطلق بصحيفتي هذه إلى قيصر وله الجنة ؟ فقال رجل من القوم : وإن لم يقبل ؟ قال : " وإن لم يقبل " فوافق قيصر وهو يأتي بيت المقدس قد جعل عليه بساط لا يمشي عليه غيره ، فرمى بالكتاب على البساط وتنحى ، فلما انتهى قيصر إلى الكتاب أخذه ، فنادى قيصر : من صاحب الكتاب ؟ فهو آمن . فجاء الرجل ؛ فقال أنا . قال فإذا قدمت فأتني ، فلما قدم أتاه ، فأمر قيصر بأبواب قصره فغلقت ، ثم أمر مناديا ينادي : ألا إن قيصر قد اتبع محمدا وترك النصرانية ، فأقبل جنده وقد تسلحوا حتى أطافوا به ، فقال لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد ترى أني خائف على مملكتي ، ثم أمر مناديه فنادى : ألا إن قيصر قد رضي عنكم ، وإنما اختبركم لينظر كيف صبركم على دينكم ، فارجعوا فانصرفوا ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني مسلم وبعث إليه بدنانير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كذب عدو الله ليس بمسلم وهو على النصرانية" وقسم الدنانير ) .

وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ، واسمه أبرويز بن هرمز بن [ ص: 118 ] أنوشروان ، فمزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( : اللهم مزق ملكه ) فمزق الله ملكه وملك قومه .

وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ، واسمه جريج بن ميناء ملك الإسكندرية عظيم القبط ، فقال خيرا وقارب الأمر ولم يسلم ، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم مارية وأختيها سيرين وقيسرى ، فتسرى مارية ، ووهب سيرين لحسان بن ثابت ، وأهدى له جارية أخرى ، وألف مثقال ذهبا ، وعشرين ثوبا من قباطي مصر ، وبغلة شهباء وهي دلدل ، وحمارا أشهب ، وهو عفير ، وغلاما خصيا يقال له مابور . وقيل : هو ابن عم مارية ، وفرسا وهو اللزاز ، وقدحا من زجاج وعسلا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ضن الخبيث بملكه ، ولا بقاء لملكه )

وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء ، قاله ابن إسحاق والواقدي . قيل : إنما توجه لجبلة بن الأيهم . وقيل : توجه لهما معا . وقيل : توجه لهرقل مع دحية بن خليفة ، والله أعلم .

[ ص: 119 ] وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة ، فأكرمه . وقيل : بعثه إلى هوذة ، وإلى ثمامة بن أثال الحنفي ، فلم يسلم هوذة ، وأسلم ثمامة بعد ذلك ، فهؤلاء الستة قيل : هم الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد .

وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جيفر وعبد الله ابني الجلندى الأزديين بعمان ، فأسلما ، وصدقا ، وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم ، فلم يزل فيما بينهم حتى بلغته وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من " الجعرانة " وقيل : قبل الفتح فأسلم وصدق .

وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري باليمن ، فقال : سأنظر في أمري .

وبعث أبا موسى الأشعري ، ومعاذ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك .

وقيل بل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الإسلام ، فأسلم عامة أهلها طوعا من غير قتال .

ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم ووافاه بمكة في حجة الوداع .

وبعث جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري ، وذي عمرو ، يدعوهما إلى الإسلام فأسلما ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم .

[ ص: 120 ] وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى مسيلمة الكذاب بكتاب ، وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يسلم .

وبعث إلى فروة بن عمرو الجذامي يدعوه إلى الإسلام . وقيل : لم يبعث إليه ، وكان فروة عاملا لقيصر بمعان ، فأسلم ، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه ، وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد ، وهي بغلة شهباء ، يقال لها : فضة ، وفرس يقال لها : الظرب ، وحمار يقال له : يعفور ، كذا قاله جماعة ، والظاهر - والله أعلم - أن عفيرا ، ويعفور واحد ، عفير تصغير يعفور تصغير الترخيم .

وبعث أثوابا وقباء من سندس مخوص بالذهب ، فقبل هديته ، ووهب لمسعود بن سعد اثنتي عشرة أوقية ونشا .

وبعث عياش بن أبي ربيعة المخزومي بكتاب إلى الحارث ومسروح ونعيم بني عبد كلال من حمير .

التالي السابق


الخدمات العلمية