الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الأنبياء بشر يأكلون.. والكفر بهم واحد

                                                          قال الله (تعالى): يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون [ ص: 5082 ] والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون

                                                          يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ؛ النداء للرسل ، وهو نداء لبيان حقيقة الرسل ، وأنهم من البشر يأكلون الطعام ، وكان النداء لهم وقد مضوا إلى ربهم ، ولم يكن عند نزول الآية الكريمة إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر النداء في هذا للدلالة على أنهم كانوا يخاطبون بهذا الخطاب ، رسول منهم كان يخاطب بهذا الخطاب ، وتباح له طيبات الطعام ، والطيبات من الرزق ، ويؤمر به؛ كالأمر بكل مباح ، والطيبات تتحقق طيبتها بأمور; منها ألا يكون خبيثا في ذاته؛ كالميتة والدم ولحم الخنزير ، وأن يكون قد سمي عليه عند ذبحه ، وأن يكون قد كسب من حلال ، فيجتمع فيه الحل الذاتي والحل الديني ، واعملوا صالحا ؛ وليس الأمر الذي يكون به متميزا عن سائر البشر إلا العمل الصالح بأن يكون خالصا له ، والعمل الصالح هو العمل الطيب؛ الذي يكون خيرا محضا للناس؛ لا يكون معه شر؛ لا في ذاته ، ولا في نيته ، والعمل الصالح ما يكون فيه النفع لأكبر عدد ممكن ، وما تكون فيه سعادة عاجلة لأكثر الناس ، أو سعادة آجلة لعامتهم ، ويدخل في هذا دعوتهم إلى الهداية والرشاد ، والتبليغ عن أمر ربهم.

                                                          إني بما تعملون عليم ؛ وقد وثق الله (تعالى) العمل الصالح عليهم؛ ببيان إحاطة علمه (تعالى) به ، فقال: إني بما تعملون عليم وقد أكد الله تعالى علمه بكل ما [ ص: 5083 ] يعملون؛ ليترقبوا جزاءه الوفاق لأعمالهم ، وهم بشر يجزون بالخير على ما يقدمون؛ كغيرهم من البشر.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية