الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب ما جاء في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السمر )

السمر بفتح السين المهملة ، والميم الساكنة كذا في المقدمة ، وهو حديث الليل من المسامرة ، وهي المحادثة فيه ، ومنه قوله تعالى سامرا تهجرون أي : يسمرون بذكر القرآن ، والطعن فيه حال كونهم يعرضون عن الإيمان به ، وفي النهاية ، الرواية بفتح الميم ، ورواه بعضهم بسكون الميم ، وجعله المصدر ، وأصل السمر ضوء لون القمر سمي به ; لأنهم كانوا [ ص: 58 ] يتحدثون فيه ( حدثنا الحسن بن صباح ) بتشديد الموحدة ( البزار ) بتشديد الزاي ( حدثنا أبو النضر ) بسكون المعجمة ( حدثنا أبو عقيل ) بفتح فكسر ( الثقفي ) بفتح المثلثة ، والقاف منسوب إلى قبيلة ثقيف ( عن عبد الله بن عقيل عن مجالد ) بالجيم بعد ضم الميم ( عن الشعبي ) بفتح فسكون ( عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ) كلمة " ذات " مقحمة للتأكيد ذكره الشراح ، ولا يظهر وجه التأكيد ، فالأولى أن يقال إنها صفة موصوف مقدر أي : في ساعات ذات ليلة كما حقق في قوله تعالى إنه عليم بذات الصدور أي : بضمائرها ، وخواطرها ( نساءه ) أي : بعض نسائه وأزواجه الطاهرات أو كلهن ، ويمكن أن يكون منهن بعض بناته أو أقاربه من النساء ( حديثا ) أي كلاما عجيبا أو تحديثا غريبا ( فقالت امرأة منهن : كأن الحديث ) بتشديد النون أي : كأن هذا الحديث ( حديث خرافة ) بضم الخاء المعجمة أي : مستملح من باب الظرافة وفي غاية من اللطافة ففي المغرب : الخرافات : الأحاديث المستملحة وبها سمي خرافة رجل استهوته الجن كما تزعم العرب ، فلما رجع أخبر بما رأى منها فكذبوه ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرافة حق يعني ما حدث به عن الجن انتهى .

فقوله كما تزعم العرب ليس في محله وفي القاموس خرافة كثمامة رجل من عذرة استهوته الجن ، وكان يحدث بما رأى فكذبوه ، وقالوا : حديث خرافة أي : هي حديث مستملح كذب قال ابن حجر : لم ترد المرأة ما يراد من هذا اللفظ ، وهو الكناية عن ذلك الحديث بأنه كذب مستملح لأنها تعلم أنه لا يجري على لسانه إلا الحق ، وإنما أرادت أنه حديث مستملح لا غير ، وذلك لأن حديث خرافة يشتمل على وصفين الكذب والاستملاح ، فيصح التشبيه به في أحدهما ، أقول : الأظهر أن يقال إن حديث خرافة يطلق على كل ما يكذبونه من الأحاديث ، وعلى كل ما يستملح ، ويتعجب منه على ما نقله القاموس ، فيحمل كلامها على التجريد ، ويتم به التسديد مع أنه قد يبالغ في التشبيه فيقال هذا كلام صدق يشبه الكذب كما قال الغزالي : الموت يقين يشبه الظن عند عموم الخلق ( فقال : أتدرون ) خاطبهن خطاب الذكور تعظيما لشأنهن كما حقق في قوله - عز وجل - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويؤيده ما في النسخ أتدرين بخطاب جماعة النساء ، ويحتمل أنه كان بعض المحارم من الرجال أو من الأجانب معهن ولكنهن وراء النقاب أو كان قبل نزول الحجاب والله أعلم بالصواب ، وتبعيد كل من المعنيين المتعارضين في غاية من البعد في حق الشارحين المتعارضين ، والمعنى أتعلمون ( ما خرافة ) ولما كان من المعلوم أنهم ما يدرون حقيقة خرافة ، وحقيقة كلامه بادر إلى بيانه قبل جوابهم فقال : [ ص: 59 ] ( إن خرافة كان رجلا من عذرة ) بضم عين مهملة ، وسكون ذال معجمة قبيلة مشهورة من اليمن ( أسرته ) أي : اختطفته ( الجن في الجاهلية ) أي : في أيامها ، وهي قبل بعثته - صلى الله عليه وسلم - وقد روى المفضل الضبي في الأمثال عن عائشة مرفوعا رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا ( فمكث ) بضم الكاف وفتحها أي : لبث ( فيهم دهرا ) أي : زمانا طويلا ( ثم ردوه إلى الإنس وكان ) بالواو وفي نسخة فكان ( يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس : حديث خرافة ) أي : فيما سمعوه من الأحاديث العجيبة ، والحكايات الغريبة هذا حديث خرافة ، وهذا كما ترى ليس فيه ذكر الأكاذيب ، وإن كانت هي قد تراد مبالغة في الأعاجيب ثم في الحديث جواز التحدث بعد صلاة العشاء لا سيما مع العيال ، والنساء فإنه من باب حسن المعاشرة معهن ، وتفريج الهم عن قلوبهم ، فالنهي الوارد محمول على كلام الدنيا ، وما لا يعني في العقبى ، والحكمة أن يكون خاتمة فعله وقوله بالحسنى ، ومكفرة لما وقع له فيما مضى ، ويؤيده أن البخاري أورد حديث أم زرع في باب حسن المعاشرة مع الأهل فهذا الحديث منه وحديث أم زرع منها فدل الحديثان على جواز الكلام ، وسماعه في ذلك الوقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية