الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3761 [ ص: 550 ] (كتاب الأطعمة)

                                                                                                                              باب: التسمية على الطعام

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب آداب الطعام والشراب ، وأحكامهما) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 188 ، 189 ج13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن حذيفة، قال: كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، طعاما: لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعاما. فجاءت جارية كأنها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يدفع. فأخذ بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده. والذي نفسي بيده! إن يده في يدي مع يدها" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن حذيفة) رضي الله عنه ؛ (قال : كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم طعاما : لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، فيضع يده) .

                                                                                                                              [ ص: 551 ] فيه : بيان هذا الأدب . وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل ، في غمس اليد في الطعام وفي الأكل .

                                                                                                                              ( وإنا حضرنا معه مرة طعاما ، فجاءت جارية كأنها تدفع) . وفي الرواية الأخرى : " كأنها تطرد " . يعني : لشدة سرعتها .

                                                                                                                              ( فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ( وسلم بيدها . ثم جاء أعرابي كأنما يدفع . فأخذ بيده . فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم : إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه) .

                                                                                                                              معنى " يستحل " : يتمكن من أكله . أي: إن الشيطان يتمكن من أكل الطعام ، إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى . وأما إذا لم يشرع فيه أحد ، فلا يتمكن . وإن كان جماعة : فذكر اسم الله بعضهم دون بعض ، لم يتمكن منه .

                                                                                                                              قال النووي : الصواب الذي عليه جماهير العلماء ؛ من السلف والخلف ، من المحدثين والفقهاء والمتكلمين : أن هذا الحديث ، وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان : محمولة على ظواهرها . وأن الشيطان يأكل حقيقة . إذ العقل لا يحيله . والشرع لم ينكره بل أثبته .

                                                                                                                              فوجب قبوله واعتقاده . والله أعلم . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 552 ] قلت : وفيه دلالة على وجود الشياطين . ومن أنكر ، فقد أنكر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صريحا .

                                                                                                                              ( وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها ، فأخذت بيدها . فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به ، فأخذت بيده . والذي نفسي بيده ! إن يده في يدي مع يدها) . هكذا في معظم الأصول .

                                                                                                                              وفي بعضها : " يدهما ". وهذا ظاهر . والتثنية تعود إلى الجارية والأعرابي . ومعناه : إن في يدي : يد الشيطان ، مع يد الجارية ، ويد الأعرابي . إلخ.

                                                                                                                              وأما على رواية الإفراد ، فيعود الضمير على الجارية .

                                                                                                                              وقد حكى عياض أن الوجه : " التثنية ". والظاهر أن رواية الإفراد أيضا مستقيما . فإن إثبات يدها ، لا ينفي يد الأعرابي . وإذا صحت الرواية بالإفراد : وجب قبولها ، وتأويلها على ما ذكرنا . قاله النووي . وفي رواية : "ثم ذكر اسم الله وأكل " .

                                                                                                                              وفي هذا الحديث فوائد ؛

                                                                                                                              منها : جواز الحلف من غير استحلاف . وقد تقدم بيانه مرات .

                                                                                                                              ومنها : استحباب التسمية في ابتداء الطعام . وهذا مجمع عليه . وكذا يستحب حمد الله تعالى في آخره . كما في حديث آخر . وكذا استحبابها في أول الشرب . بل في أول كل أمر ذي بال . [ ص: 553 ] قال ابن القيم في "الهدي " : والصحيح : وجوب التسمية عند الأكل . وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد . وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ، لا معارض لها . ولا إجماع يسوغ مخالفتها ، ويخرجها عن ظاهرها . وتاركها : يشركه الشيطان في طعامه وشرابه . انتهى .

                                                                                                                              قال النووي : قال أهل العلم : يستحب أن يجهر بالتسمية ليسمع غيره ، وينبهه عليها . ولو ترك التسمية في أول الطعام عامدا ، أو ناسيا ، أو جاهلا ، أو مكرها ، أو عاجزا لعارض آخر ، ثم تمكن في أثناء أكله منها : يستحب أن يسمي ، ويقول : بسم الله أوله وآخره . لحديث : " إذا أكل أحدكم ؛ فليذكر اسم الله . فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله ، فليقل : بسم الله أوله وآخره". رواه أبو داود ، والترمذي ، وغيرهما . قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

                                                                                                                              قال النووي : والتسمية في شرب الماء ، واللبن ، والعسل ، والمرق ، والدواء ، وسائر المشروبات : كالتسمية على الطعام في كل ما ذكر . وتحصل التسمية بقوله : " باسم الله " . فإن قال : " بسم الله الرحمن الرحيم " كان حسنا. وسواء في استحباب التسمية : الجنب ، والحائض ، وغيرهما . وينبغي : أن يسمي كل واحد من الآكلين . فإن سمى واحد منهم : حصل أصل السنة . نص عليه الشافعي . ويستدل [ ص: 554 ] له : بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر : أن الشيطان إنما يتمكن من الطعام ، إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه . ولأن المقصود يحصل بواحد .




                                                                                                                              الخدمات العلمية