الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5829 باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما الكرم قلب المؤمن

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في ذكر قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: إنما الكرم قلب المؤمن، هذا قطعة من آخر حديث رواه أبو هريرة، ويأتي الآن في هذا الباب من رواية سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، ورواه مسلم من رواية الأعرج عنه، قال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يقولن أحدكم: الكرم؛ فإن الكرم قلب المؤمن، وله من رواية ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم، وفي رواية له من حديث علقمة بن وائل، عن أبيه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب، والحبلة. قوله: " إنما الكرم قلب المؤمن"؛ أي: لما فيه من نور الإيمان، والتقوى، قال الله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقال في الباب الذي قبله: لا تسموا العنب الكرم، وقال هنا: إنما الكرم قلب المؤمن. قالت العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظ الكرم كانت العرب تطلقها على شجر العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب سموها كرما؛ لكونها متخذة منها، ولأنها تحمل على الكرم والسخاء، فكره الشارع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره; لأنهم إذا سمعوا اللفظ فربما تذكروا بها الخمر، وهيجت نفوسهم إليها فيقعوا فيها، أو قاربوا، وقال: إنما يستحق هذا الاسم قلب المؤمن; لأنه منبع الكرم والتقوى، والنور والهدى. والمشهور في اللغة أن الكرم، بسكون الراء، العنب؛ قال الأزهري: سمي العنب كرما لكرمه; وذلك لأنه ذلل لقاطعه، ويحمل الأصل عنه مثل ما تحمل النخلة، وأكثر، وكل شيء كثر فقد كرم. وقال ابن الأنباري: سمي كرما; لأن الخمر منه، وهي تحث على السخاء، وتأمر بمكارم الأخلاق، كما سموها راحا؛ ولذلك قال: لا تسموا العنب كرما، كره أن يسمى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وجعل المؤمن الذي يتقي شربها، ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الاسم الحسن؛ تأكيدا لحرمته، وأسقط الخمر عن هذه الرتبة؛ تحقيرا لها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية