الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ زيادة السنة على القرآن وحكمها ] : المثال الثامن عشر :

رد المحكم الصريح في اشتراط النية لعبادة الوضوء والغسل كما في قوله : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } وقوله : { وإنما لكل امرئ ما نوى } وهذا لم ينو رفع الحدث فلا يكون له بالنص ; فردوا هذا بالمتشابه من قوله : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } ولم يأمر بالنية ، قالوا : فلو أوجبناها بالسنة لكان زيادة على نص القرآن فيكون نسخا ، والسنة لا تنسخ القرآن ; فهذه ثلاثه مقدمات : إحداها أن القرآن لم يوجب النية ، الثانية أن إيجاب السنة لها نسخ القرآن . الثالثة : أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز . وبنوا على هذه المقدمات إسقاط كثير مما صرحت السنة بإيجابه كقراءة الفاتحة والطمأنينة وتعيين التكبير للدخول في الصلاة والتسليم للخروج منها . ولا يتصور صدق المقدمات الثلاث في موضع واحد أصلا ، بل إما أن تكون كلها كاذبة أو بعضها ; فأما آية الوضوء فالقرآن قد نبه على أنه لم يكتف من طاعات عباده إلا بما أخلصوا له فيه الدين ، فمن لم ينو التقرب إليه جملة لم يكن ما أتى به طاعة ألبتة ; فلا يكون معتدا به ، مع أن قوله : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إنما يفهم المخاطب منه غسل الوجه وما بعده لأجل الصلاة كما يفهم من قوله : { إذا واجهت الأمير فترجل ، وإذا دخل الشتاء فاشتر الفرو } ونحو ذلك ; فإن لم يكن القرآن قد دل على النية ودلت عليها السنة لم يكن وجوبها ناسخا للقرآن وإن كان زائدا عليه .

ولو كان كل ما أوجبته السنة ولم يوجبه القرآن نسخا له لبطلت أكثر سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع في صدورها وأعجازها . وقال القائل : هذه زيادة على ما في كتاب الله فلا تقبل ولا يعمل بها ، وهذا بعينه هو الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيقع وحذر منه كما في السنن من حديث المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على [ ص: 220 ] أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع ، ولا لقطة مال المعاهد } وفي لفظ : { يوشك أن يقعد الرجل على أريكته فيحدث بحديثي فيقول : بيني وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه ، وما وجدناه فيه حراما حرمناه ، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله } قال الترمذي : حديث حسن ، وقال البيهقي : إسناده صحيح . وقال صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إني قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض } فلا يجوز التفريق بين ما جمع الله بينهما ويرد أحدهما بالآخر ، بل سكوته عما نطق به ولا يمكن أحدا أن يطرد ذلك ولا الذين أصلوا هذا الأصل ، بل قد نقضوه في أكثر من ثلاثمائة موضع منها ما هو مجمع عليه ومنها ما هو مختلف فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية