الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 38 ] [ ص: 39 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الروم

هذه السورة تسمى سورة الروم في عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، كما في حديث الترمذي عن ابن عباس ونيار بن مكرم الأسلمي ، وسيأتي قريبا في تفسير الآية الأولى من السورة . ووجه ذلك أنه ورد فيها ذكر اسم الروم ولم يرد في غيرها من القرآن .

وهي مكية كلها بالاتفاق ، حكاه ابن عطية والقرطبي ، ولم يذكرها صاحب " الإتقان " في السور المختلف في مكيتها ولا في بعض آيها . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن هذه السورة نزلت يوم بدر ، فتكون عنده مدنية . قال أبو سعيد : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا بذلك ، فنزلت " الم غلب الروم " إلى قوله : بنصر الله وكان يقرؤها " غلبت " بفتح اللام ، وهذا قول لم يتابعه أحد ، وأنه قرأ " وهم من بعد غلبهم سيغلبون " بالبناء للنائب ، ونسب مثل هذه القراءة إلى علي وابن عباس وابن عمر . وتأولها أبو السعود في تفسيره آخذا من " الكشاف " بأنها إشارة إلى غلب المسلمين على الروم . قال أبو السعود : وغلبهم المسلمون في غزوة مؤتة سنة تسع .

وعن ابن عباس كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم ؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان . وعن الحسن البصري أن قوله تعالى : فسبحان الله حين تمسون الآية مدنية بناء على أن تلك الآية تشير إلى الصلوات الخمس ، وهو يرى أن الصلوات الخمس فرضت بالمدينة ، وأن الذي كان فرضا قبل الهجرة هو ركعتان في أي وقت تيسر للمسلم ، وهذا مبني على شذوذ .

وهي السورة الرابعة والثمانون في تعداد نزول السور ، نزلت بعد سورة الانشقاق [ ص: 40 ] وقبل سورة العنكبوت . وقد روي عن قتادة وغيره أن غلب الروم على الفرس كان في عام بيعة الرضوان ؛ ولذلك استفاضت الروايات ، وكان بعد قتل أبي بن خلف يوم أحد .

واتفقت الروايات على أن غلب الروم للفرس وقع بعد مضي سبع سنين من غلب الفرس على الروم الذي نزلت عنده هذه السورة . ومن قال : إن ذلك كان بعد تسع سنين - بتقديم التاء المثناة - فقد حمل على التصحيف كما رواه القرطبي عن القشيري ، يقتضي أن نزول سورة الروم كان في إحدى عشرة قبل الهجرة ؛ لأن بيعة الرضوان كانت في سنة ست بعد الهجرة . وعن أبي سعيد الخدري أن انتصار الروم على فارس يوافق يومه يوم بدر .

وعدد آيها في عد أهل المدينة وأهل مكة تسع وخمسون . وفي عدد أهل الشام والبصرة والكوفة ستون .

وسبب نزولها ما رواه الترمذي عن ابن عباس ، والواحدي وغير واحد أنه لما تحارب الفرس والروم الحرب التي سنذكرها عند قوله تعالى : غلبت الروم في أدنى الأرض وتغلب الفرس على الروم - كان المشركون من أهل مكة فرحين بغلب الفرس على الروم ؛ لأن الفرس كانوا مشركين ولم يكونوا أهل كتاب ، فكان حالهم أقرب إلى حال قريش ؛ ولأن عرب الحجاز 72 والعراق كانوا من أنصار الفرس ، وكان عرب الشام من أنصار الروم ، فأظهرت قريش التطاول على المسلمين بذلك ، فأنزل الله هذه السورة مقتا لهم وإبطالا لتطاولهم بأن الله سينصر الروم على الفرس بعد سنين ؛ فلذلك لما نزلت الآيات الأولى من هذه السورة خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ، وراهن أبو بكر المشركين على ذلك كما سيأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية