الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام

الهروي - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي

[ ص: 265 ] باب : توبة القتل ونسخ اللين فيها بالتغليظ

484 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، أنه سمع سعيد بن جبير ، يحدث عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت هذه الآية : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما الآية ، نزلت : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية

485 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو النضر ، عن شيبان ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير قال : قال لي سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى : سل ابن عباس عن هاتين الآيتين هذه التي في الفرقان والتي في النساء : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم قال : فسألت عنها ابن

[ ص: 266 ] عباس
، فقال : " نزلت هذه التي في الفرقان بمكة ، وكان المشركون قالوا : ما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله ، وقتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش ، فنزلت : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأما من دخل في الإسلام وعقله ، ثم قتل فلا توبة له

486 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو النضر ، عن شعبة ، عن منصور قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : أمرني ابن أبزى فسألت ابن عباس عن قول الله عز وجل : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فقال : " لا توبة له " ، وسألته عن قوله : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فقال : " كانت في الجاهلية

487 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جبير هل لمن قتل مؤمنا توبة ؟ فقال : لا ، قال : فقرأت عليه هذه الآية : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله : إلا من تاب فقال سعيد : قرأتها على ابن عباس كما قرأتها علي فقال : " هذه مكية نسختها آية مدنية في سورة النساء

[ ص: 267 ]

488 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن جهم بن أبي جهم ، أن أبا الزناد أخبره ، أن خارجة بن زيد أخبره ، عن أبيه زيد بن ثابت قال : " لما نزلت هذه الآية التي في الفرقان : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله : إلا من تاب قال : عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ، ثم نزلت في سورة النساء : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها الآية

489 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، وابن أبي مريم ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال أحدهما : عن عوف بن مخلد وقال الآخر عن عوف بن مجالد الحضرمي قال : وكان امرأ صدق عن زيد بن ثابت

[ ص: 268 ] قال : " نزلت هذه الآية الغليظة بعد اللينة بستة أشهر قال : فنسخت الغليظة اللينة

490 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني إسماعيل ، عن ابن أبي الزناد ، عن خارجة ، أن زيد بن ثابت قال : " نزلت هذه الآية التي في النساء بعد قوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء بأربعة أشهر

491 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن مغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم قال : " قال ما نسخها شيء .

492 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو النضر ، عن شيبان ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس قال : " هي

[ ص: 269 ] مبهمة ، لا نعلم له توبة "

493 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " لا أعلم للقاتل توبة إلا أن يستغفر الله

494 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا الأنصاري محمد بن عبد الله ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : قرأ ابن عباس هذه الآية : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم فقال : " ما كان الله لينقر عن قاتل المؤمن . قال الأنصاري : فقلت لمحمد بن عمرو : وما ينقر عنه ؟ قال : يمسك عنه حتى يهلكه "

495 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشام بن عمار ، عن صدقة بن خالد قال : حدثنا خالد بن دهقان قال :

[ ص: 270 ] حدثني ابن أبي زكريا قال : سمعت أم الدرداء ، عن أبي الدرداء يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا ، أو مؤمنا قتل مؤمنا متعمدا

496 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا خالد بن دهقان ، فقال هانئ بن كلثوم : سمعت محمود بن ربيعة يحدث ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل مؤمنا ، ثم اغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا . قال

[ ص: 271 ] خالد : فسألت يحيى بن يحيى الغساني ، عن قوله : اغتبط بقتله ، فقال : هم الذين يقتتلون في الفتنة ، فيقتل أحدهم ويرى أنه على هدى ، لا يستغفر الله منه أبدا
، قال هشام : هكذا قال صدقة محمود بن ربيعة ، وإنما هو محمود بن الربيع

497 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن أبي الأشهب ، عن سليمان بن علي الربعي ، عن الحسن ، أنه قرأ هذه الآية : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا فقلت : يا أبا سعيد أهي علينا كما كانت على بني إسرائيل ؟ فقال : " إي والذي لا إله إلا هو وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم عليه من دمائنا .

قال أبو عبيد : " وقد كان بعض أهل العلم يتأول في آية النساء غير هذا المذهب "

[ ص: 272 ]

498 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا مروان بن معاوية ، عن العلاء بن المسيب ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن ابن عباس في قوله : فجزاؤه جهنم قال : " هي جزاؤه فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه .

499 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز قال : " هو جزاؤه إن شاء تجاوز عنه " .

500 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن شعبة ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، وعن سيار ، عن أبي صالح مثل ذلك .

[ ص: 273 ] قال أبو عبيد : " والذي عندنا في هذا أنه ليس مما يحتج بمثله عندما ذكرنا من الآثار ، لا نعلمه يعني عاصما سمع من ابن عباس ، ولا رآه ومع هذا إن لفظ آخر الآية لا يدل على ذلك في مذهب العربية ، والله أعلم بما أراد من أجل أنه لم يقل : جزاؤه جهنم وأن يغضب الله عليه ويلعنه ، ولكنه جعله حتما واقعا ، فقال وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما . وقد ذكر الله مواضع الجزاء في الثواب فقال : فله جزاء الحسنى وقال : جزاء بما كانوا يعملون وقال : وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا مع أشباه هذا كثير في القرآن "

التالي السابق


الخدمات العلمية