الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما ما ذكره السائل من نهيه، فالذي جاء به الكتاب والسنة النهي عن أمور:

منها: القول على الله بلا علم، كقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف: 33] ، وقوله: ولا تقف ما ليس لك به علم [الإسراء: 36] . [ ص: 47 ]

ومنها: أن يقال على الله غير الحق، كقوله: ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق [الأعراف: 169] .

وقوله: لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق [النساء: 171] .

ومنها: الجدل بغير علم كقوله تعالى: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم [آل عمران: 66] .

ومنها: الجدل في الحق بعد ظهوره، كقوله تعالى: يجادلونك في الحق بعدما تبين [الأنفال: 6] .

ومنها: الجدل بالباطل، كقوله: وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق [غافر: 5]، ومنها: الجدل في آياته، كقوله تعالى: ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا [غافر: 4]، وقوله: الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا [غافر: 35] ، وقال تعالى: إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه [غافر: 56]، وقوله: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص [الشورى: 35]، ونحو ذلك قوله: والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم [الشورى: 16] ، [ ص: 48 ] وقوله: وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال [الرعد: 13]، وقوله ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير [الحج: 8] .

ومن الأمور التي نهى الله عنها في كتابه التفرق والاختلاف، كقوله: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، إلى قوله: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه [آل عمران: 103 - 106] قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.

وقال تعالى: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله [الأنعام: 159]، وقال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله - إلى قوله: ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا [الروم: 30-32] .

وقد ذم أهل التفرق والاختلاف في مثل قوله تعالى: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم [آل عمران: 19] ، وفي مثل [ ص: 49 ] قوله تعالى: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم [هود: 119]، وفي مثل قوله: وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد [البقرة: 176] .

وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم توافق كتاب الله، كالحديث المشهور عنه الذي روى مسلم بعضه عن عبد الله بن عمرو، وسائره معروف في مسند أحمد وغيره، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتناظرون في القدر، ورجل يقول: ألم يقل الله كذا؟ ورجل يقول: ألم يقل الله كذا؟ فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: أبهذا أمرتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، لا ليكذب بعضه بعضا، انظروا ما أمرتم به فافعلوه، وما نهيتم عنه فاجتنبوه» .

هذا [ ص: 50 ] الحديث أو نحوه، وكذلك قوله: «المراء في القرآن كفر».

وكذلك ما أخرجاه في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قوله: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».

التالي السابق


الخدمات العلمية