الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في بيان المفطرات ( شرط ) صحة ( الصوم ) من حيث الفعل ( الإمساك عن الجماع ) إجماعا فيفطر به وإن لم ينزل إن علم وتعمد واختار [ ص: 398 ] ويشترط هنا كونه واضحا فلا يفطر به خنثى إلا إن وجب عليه الغسل بأن تيقن كونه واطئا أو موطوءا فلا أثر من حيث الجماع لإيلاج رجل في قبله بخلاف دبره ولا لإيلاج خنثى في قبل خنثى أو دبره أو في امرأة أو رجل ، والمراد بالشرط ما لا بد منه لا الاصطلاحي وإلا لم يبق للصوم حقيقة ؛ إذ هي النية والإمساك ( والاستقاءة ) من من عامد عالم مختار للخبر الصحيح { من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض } وذرعه بالمعجمة غلبه أما ناس وجاهل عذر لقرب إسلامه أو بعده عن عالمي ذلك ومكره فلا يفطرون بذلك وكذا كل مفطر مما يأتي ومن الاستقاءة نزعه لخيط ابتلعه ليلا ومر في مبحث المستحاضة [ ص: 399 ] ما له تعلق به وبحث أنه لا يلحق به نزع قطنة من باطن إحليله أدخلها ليلا ( والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه ) بأن تقيأ منكسا ( بطل ) صومه بناء على الأصح أن الاستقاءة مفطرة لنفسها لا لرجوع شيء إلى الجوف .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل في بيان المفطرات ) ( قوله في المتن الإمساك عن الجماع ) أي : ولو بحائل كما هو ظاهر ( قوله [ ص: 398 ] فلا أثر من حيث الجماع ) أي بخلافه من حيث الإنزال عن مباشرة فيؤثر كما هو ظاهر ؛ لأن الوطء بالزائد أو فيه مع الإنزال لا ينحط عن الإنزال باللمس بنحو اليد إلا أنه لا يؤثر إلا إن أنزل من فرجيه كما يعلم مما يأتي ( قوله في المتن والاستقاءة ) .

                                                                                                                              فرع شرب خمرا بالليل وأصبح صائما فرضا فقد تعارض واجبان الإمساك والتقيؤ والذي يظهر أنه يراعى حرمة الصوم للاتفاق على وجوب الإمساك فيه والاختلاف في وجوب التقيؤ على غير الصائم ا هـ شرح العباب وهذا ظاهر في صوم الفرض وأما في النفل فلا يبعد عدم وجوب التقيؤ وإن جاز محافظة على حرمة العبادة م ر ( قوله لقرب إسلامه أو بعده إلخ ) هذا التقييد هو الأصح خلافا لما مال إليه في البحر م ر ( قوله ومن الاستقاءة إلخ ) ينبغي أن منها أيضا إخراج ذباب نزل إلى جوفه نعم إن تضرر ببقائه فله إخراجه لكن يفطر كما لو تضرر بالجوع فأكل م ر ثم رأيت الشارح ذكر ذلك فيما يأتي ( قوله ومن الاستقاءة نزعه لخيط ابتلعه ليلا ) فرع : قال في الروض : لو ابتلع طرف خيط فأصبح صائما فإن ابتلع باقيه أو نزعه أفطر وإن [ ص: 399 ] تركه بطلت صلاته وطريقه أن ينزع منه وهو غافل ا هـ قال في شرحه قال الزركشي وقد لا يطلع عليه عارف بهذا الطريق ويريد هو الخلاص فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه ولا يفطر ؛ لأنه كالمكره بل لو قيل : إنه لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه كما لو حلف ليطأن في هذه الليلة فوجدها حائضا لا يحنث بترك الوطء ا هـ أما إذا لم يكن غافلا وتمكن من دفع النازع فإنه يفطر ؛ لأن النزع موافق لغرض النفس فهو منسوب إليه عند تمكنه من الدفع وبهذا فارق من طعنه بغير إذنه وتمكن من دفعه ا هـ . قال الشارح في شرح العباب بعد نقله ما تقدم عن الزركشي ورد بأنا لا نسلم أن الشرع أوجب ذلك عينا لما يأتي أنه إذا تعارض في حقه الأمران قدم مصلحة الصلاة وبهذا فارق ما نظر به فيه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وبحث أنه لا يلحق به إلخ ) اعتمد هذا البحث م ر ( قوله من باطن إحليله ) أي : أو أذنه م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في بيان المفطرات ) ( قوله من حيث الفعل ) إلى التنبيه في النهاية والمغني إلا قوله بأن تيقن إلى المتن وقوله ومر إلى المتن وقوله لكن يسن إلى أما إذا ( قوله من حيث الفعل ) أي : لا من حيث الفاعل والوقت ع ش وكردي ( قوله إجماعا ) نعم في إتيان البهيمة أو الدبر إذا لم ينزل خلاف فقيل لا يفطر بناء على أن فيه التعزير فقط مغني وقوله فقيل لا يفطر إلخ وممن قال بذلك أبو حنيفة قليوبي ا هـ بجيرمي ( قوله فيفطر به ) أي : ولو بحائل كما هو ظاهر سم ( قوله إن علم إلخ ) أي : بالتحريم فلو كان جاهلا معذورا أو ناسيا لم يفطر به وكذا لا يفطر به لو كان مكرها إن قلنا بتصور الإكراه على الوطء وهو الأصح وقيل لا يتأتى الإكراه عليه ؛ لأنه إذا لم [ ص: 398 ] يكن له ميل واختيار لا يحصل له انتشار ولا يفطر إلا بإدخال كل الحشفة أو قدرها من فاقدها فلا يفطر بإدخال بعضها بالنسبة للواطئ وأما الموطوء فيفطر بإدخال البعض ؛ لأنه قد وصلت عين جوفه فهو من هذا القبيل لا من قبيل الوطء شيخنا ( قوله ويشترط ) أي : في الإفطار بالجماع ( كونه ) أي الصائم ( قوله فلا أثر من حيث الجماع إلخ ) أي بخلافه من حيث الإنزال عن مباشرة فيؤثر كما هو ظاهر ؛ لأن الوطء بالزائد أو فيه مع الإنزال لا ينحط عن الإنزال باللمس بنحو اليد إلا أنه لا يؤثر إلا إن أنزل من فرجيه كما يعلم مما يأتي سم وعبارة الكردي أما من حيث دخول عين إلى الجوف فيؤثر ا هـ زاد البصري وقال الفاضل المحشي أي : بخلافه من حيث الإنزال عن مباشرة فيؤثر كما هو ظاهر ا هـ . والحاصل : إن لاحظنا نفي التأثير بالنسبة للخنثى كما يقتضيه السياق كان محترزه ما أشرنا إليه وإن لاحظناه بالنسبة للرجل اتجه ما أفاده المحشي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله النية والإمساك ) أي والصائم على ما تقدم عن جمع قول المتن ( والاستقاءة ) .

                                                                                                                              فرع : لو شرب خمرا بالليل وأصبح صائما فرضا فقد تعارض واجبان الإمساك والتقيؤ والذي يظهر م ر أنه يراعى حرمة الصوم للاتفاق على وجوب الإمساك فيه والاختلاف في وجوب التقيؤ على غير الصائم شرح العباب وهذا ظاهر في صوم الفرض وأما في النفل فلا يبعد عدم وجوب القيء وإن جاز محافظة على حرمة العبادة م ر سم على حج ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أما ناس إلخ ) أي لما ذكر من الجماع والاستقاءة ع ش ( قوله لقرب إسلامه إلخ ) ومال في البحر إلى أن الجاهل يعذر مطلقا والمعتمد خلافه كما قيده القاضي حسين بما ذكر مغني ونهاية ( قوله عن عالمي ذلك ) أي حكم ما ذكر من الجماع والاستقاءة وإن لم يحسن غيره ع ش ( قوله ومكره ) أي : ولو على الزنا على المعتمد خلافا لمن قال بالإفطار حينئذ ؛ لأن الزنا لا يباح بالإكراه حفني وسلطان وعزيزي لكن في ع ش على م ر خلافه ا هـ بجيرمي عبارة ع ش قوله م ر ومكره ظاهره وإن كان الإكراه على الزنا مع أن الزنا لا يباح بالإكراه فليتأمل هل الأمر كذلك ؟ وتعليل شرح الروض يقتضي أن الأمر ليس كذلك أي فيفطر به وسيأتي ما يوافقه فليراجع وليحرر سم على المنهج ا هـ ومر عن شيخنا اعتماد عدم الإفطار بالوطء مكرها .

                                                                                                                              ( قوله فلا يفطرون بذلك ) أي بالاستقاءة أو بما ذكر منها ومن الجماع ولعل الحمل على الثاني أولى لعدم تبيينه في الجماع محترز القيود ولتذكيره اسم الإشارة بصري واقتصر ع ش على الثاني كما مر ( قوله وكذا كل مفطر إلخ ) أي : في التقييد بتلك القيود وعدم الفطر عند عدم واحد منها وتقييد عذر الجاهل بما ذكر ( قوله : ومن الاستقاءة نزعه لخيط إلخ ) عبارة المغني وشرح الروض فرع لو ابتلع بالليل طرف خيط فأصبح صائما فإن ابتلع باقيه أو نزعه أفطر وإن تركه بطلت صلاته وطريقه في صحة صومه وصلاته أن ينزعه منه آخر وهو غافل فإن لم يكن غافلا وتمكن من دفع النازع أفطر ؛ لأن النزع موافق لغرض النفس فهو منسوب إليه عند تمكنه من الدفع وبهذا فارق من طعنه بغير إذنه وتمكن من دفعه قال الزركشي وقد لا يطلع عليه عارف بهذا الطريق ويريد هو الخلاص فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه ولا يفطر ؛ لأنه كالمكره بل لو قيل : إنه لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه كما إذا حلف ليطأها في هذه الليلة فوجدها حائضا لا يحنث بتركه الوطء ا هـ .

                                                                                                                              هذا [ ص: 399 ] القياس ممنوع ؛ لأن الحيض لا مندوحة له إلى الخلاص منه بخلاف ما ذكر ا هـ زاد النهاية وحيث لم يتفق شيء مما ذكر يجب عليه نزعه أو ابتلاعه محافظة على الصلاة ؛ لأن حكمها أغلظ من حكم الصوم لقتل تاركها دونه قال ابن العماد : هذا كله إن لم يتأت قطع الخيط من حد الظاهر من الفم فإن تأتى وجب القطع وابتلاع ما في حد الباطن وإخراج ما في حد الظاهر وإذا راعى مصلحة الصلاة فينبغي له أن يبتلعه ولا يخرجه لئلا يؤدي إلى تنجس فمه ا هـ قال ع ش قوله م ر أن ينزعه منه آخر وهو غافل أي : فلا يكون هو سببا في نزعه فلو أمر غيره بقلعه فقلعه منه بعد غفلته بطل صومه وقوله م ر ؛ لأنه كالمكره ظاهره وإن ذهب إلى الحاكم وأخبره بذلك فأكرهه وهو ظاهر ؛ لأنه لم يأمر الحاكم بالحكم عليه وعلى هذا فهل الذهاب للحاكم واجب عليه أو لا فيه نظر والظاهر عدم الوجوب ؛ لأن الحاكم قد لا يساعده ا هـ ع ش ( قوله ما له تعلق بذلك ) عبارته هناك وإن كانت صائمة تركت الحشو نهارا واقتصرت على العصب محافظة على الصوم لا الصلاة عكس ما قالوه فيمن ابتلع خيطا ؛ لأن الاستحاضة علة مزمنة الظاهر دوامها فلو روعيت الصلاة ربما تعذر قضاء الصوم ولا كذلك ثم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لخيط ابتلعه إلخ ) أي : كالكنافة المعروفة شيخنا ( قوله وبحث أنه إلخ ) اعتمد هذا البحث م ر و ( قوله من باطن إحليله ) أي : أو أذنه م ر ا هـ سم وينبغي أو دبره أو قبلها كما مر قبيل الفصل عن سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية