الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

في من تجب عليه ، وعن من تجب ؟

وأجمعوا على أن المسلمين مخاطبون بها ذكرانا كانوا أو إناثا ، صغارا أو كبارا ، عبيدا أو أحرارا لحديث عمر المتقدم إلا ما شذ فيه الليث فقال : ليس على أهل العمود زكاة الفطر ، وإنما هي على أهل القرى ولا حجة له ، وما شذ أيضا من قول من لم يوجبها على اليتيم .

وأما عن من تجب ؟ فإنهم اتفقوا على أنها تجب على المرء في نفسه ، وأنها زكاة بدن لا زكاة مال ، وأنها تجب في ولده الصغار عليه إذا لم يكن لهم مال ، وكذلك في عبيده إذا لم يكن لهم مال واختلفوا فيما سوى ذلك .

وتلخيص مذهب مالك في ذلك : أنها تلزم الرجل عمن ألزمه الشرع النفقة عليه ، ووافقه في ذلك الشافعي . وإنما يختلفان من قبل اختلافهم فيمن تلزم المرء نفقته إذا كان معسرا ومن ليس تلزمه ، وخالفه أبو حنيفة في الزوجة وقال تؤدي عن نفسها ، وخالفهم أبو ثور في العبد إذا كان له مال ، فقال : إذا كان له مال زكى عن نفسه ولم يزك عنه سيده ، وبه قال أهل الظاهر .

[ ص: 234 ] والجمهور على أنه لا تجب على المرء في أولاده الصغار إذا كان لهم مال زكاة فطر ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك ، وقال الحسن : هي على الأب وإن أعطاها من مال الابن فهو ضامن .

وليس من شرط هذه الزكاة الغنى عند أكثرهم ولا نصاب، بل أن تكون فضلا عن قوته وقوت عياله . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا تجب على من تجوز له الصدقة ، لأنه لا يجتمع أن تجوز له وأن تجب عليه ، وذلك بين - والله أعلم .

وإنما اتفق الجمهور على أن هذه الزكاة ليست بلازمة لمكلف مكلف في ذاته فقط كالحال في سائر العبادات ، بل ومن قبل غيره لإيجابها على الصغير والعبيد ، فمن فهم من هذا أن علة الحكم الولاية قال : الولي يلزمه إخراج الصدقة على كل من يليه ، ومن فهم من هذه النفقة قال : المنفق يجب أن يخرج الزكاة عن كل من ينفق عليه بالشرع . وإنما عرض هذا الاختلاف لأنه اتفق في الصغير والعبد ، وهما اللذان نبها على أن هذه الزكاة ليست معلقة بذات المكلف فقط بل ومن قبل غيره إن وجدت الولاية فيها ووجوب النفقة ، فذهب مالك إلى أن العلة في ذلك وجوب النفقة ، وذهب أبو حنيفة إلى أن العلة في ذلك الولاية ، ولذلك اختلفوا في الزوجة . وقد روي مرفوعا : " أدوا زكاة الفطر عن كل من تمونون " . ولكنه غير مشهور .

واختلفوا من العبيد في مسائل :

إحداها - كما قلنا - : وجوب زكاته على السيد إذا كان له مال ، وذلك مبني على أنه يملك أو لا يملك .

والثانية : في العبد الكافر هل يؤدي عنه زكاته أم لا ؟ فقال مالك والشافعي وأحمد : ليس على السيد في العبد الكافر زكاة . وقال الكوفيون : عليه الزكاة فيه .

والسبب في اختلافهم : اختلافهم في الزيادة الواردة في ذلك في حديث ابن عمر ، وهو قوله : " من المسلمين " ، فإنه قد خولف فيها نافع بكون ابن عمر أيضا الذي هو راوي الحديث من مذهبه إخراج الزكاة عن العبيد الكفار .

وللخلاف أيضا سبب آخر : وهو كون الزكاة الواجبة على السيد في العبد هل هي لمكان أن العبد يكلف أو أنه مال ؟ فمن قال لمكان أنه مكلف اشترط الإسلام ، ومن قال لمكان أنه مال لم يشترطه . قالوا : ويدل على ذلك إجماع العلماء على أن العبد إذا أعتق ولم يخرج عنه مولاه زكاة الفطر أنه لا يلزمه إخراجها عن نفسه بخلاف الكفارات .

والثالثة : في المكاتب : فإن مالكا وأبا ثور قالا : يؤدي عنه سيده زكاة الفطر ، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد : لا زكاة عليه فيه .

والسبب في اختلافهم : تردد المكاتب بين الحر والعبد .

والرابعة : في عبيد التجارة : ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن على السيد فيهم زكاة الفطر ، وقال أبو حنيفة وغيره : ليس في عبيد التجارة صدقة .

وسبب الخلاف : معارضة القياس للعموم ، وذلك أن عموم اسم العبد يقتضي وجوب الزكاة في عبيد التجارة وغيرهم ، وعند أبي حنيفة : أن هذا العموم مخصص بالقياس ، وذلك هو اجتماع زكاتين في مال واحد .

[ ص: 235 ] وكذلك اختلفوا في العبيد، وفروع هذا الباب كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية