الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      القاسم بن عبيد الله

                                                                                      ابن سليمان بن وهب بن سعيد الحارثي الوزير .

                                                                                      ولي الوزارة للمعتضد بعد موت والده الوزير الكبير عبيد الله ، في سنة ثمان وثمانين ، وظهرت شهامته ، وزاد تمكنه ، فلما مات المعتضد في سنة تسع وثمانيين ومائتين قام القاسم بأعباء الخلافة ، وعقد البيعة للمكتفي ، وكان ظلوما عاتيا ، يدخله من أملاكه في العام سبع مائة ألف دينار ، وإنما تقدم بخدمته للمكتفي ، وكان سفاكا للدماء ، أباد جماعة ، ولما مات شمت الناس بموته .

                                                                                      [ ص: 19 ] وقال النوفلي : كنت أبغضه لكفره ، ولمكروه نالني منه .

                                                                                      قال ابن النجار : أخذ البيعة للمكتفي ، وكان غائبا بالرقة ، وضبط له الخزائن ، فلقبه ولي الدولة ، وزوج ولده بابنة القاسم على مائة ألف دينار .

                                                                                      ثم قال ابن النجار : كان جوادا ممدحا ، إلا أنه كان زنديقا ، وكان مؤدبه أبو إسحاق الزجاج ، فنال في دولته مالا جزيلا من الرشوة ، فحصل أربعين ألف دينار .

                                                                                      هلك القاسم عن ثلاث وثلاثين سنة ، لا رحمه الله .

                                                                                      قال الصولي : حدثنا شادي المغني ، قال : كنت عند القاسم وهو يشرب ، فقرأ عليه ابن فراس من عهد أردشير فأعجبه ، فقال له ابن فراس : هذا والله -وأومأ إلي- أحسن من بقرة هؤلاء وآل عمرانهم . وجعلا يتضاحكان .

                                                                                      قال الصولي : وأخبرنا ابن عبدون : حدثني الوزير عباس بن الحسن : كنت عند القاسم بن عبيد الله ، فقرأ قارئ : كنتم خير أمة أخرجت فقال ابن فراس : بنقصان ياء ، فوثبت فزعا ، فردني القاسم وغمزه ، فسكت .

                                                                                      [ ص: 20 ] الصولي : أخبرنا علي بن العباس النوبختي ، قال : انصرف ابن الرومي الشاعر من عند القاسم بن عبيد الله ، فقال لي : ما رأيت مثل حجة أوردها اليوم الوزير في قدم العالم ، وذكر أبياتا .

                                                                                      قلت : هذه أمور مؤذنة بشقاوة هذا المعثر ، نسأل الله خاتمة خير .

                                                                                      مات هذا في ذي القعدة ، سنة إحدى وتسعين ومائتين ووزر بعده العباس بن الحسن ، الذي قتل مع ابن المعتز .

                                                                                      وقال شاعر :

                                                                                      شربنا عشية مات الوزير سرورا ونشرب في ثالثه     فلا رحم الله تلك العظام
                                                                                      ولا بارك الله في وارثه

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية