الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض أصحابه الملائكة والجن وسماع كلامهما

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم في رؤية بعض أصحابه الملائكة وسماع كلامهم إكراما له صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كانت الملائكة تسلم علي فلما اكتويت ، انقطع عني فتركت الكي ، فعادوا يسلمون ، وكان يراهم عيانا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان من طريق أبي عثمان النهدي قال : نبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة ، فجعل يتحدث ، ثم قام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من هذا ؟ » قالت : هذا دحية الكلبي ، قالت : ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر جبريل قلت لأبي عثمان : ممن سمعت هذا ؟ قال : من أسامة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس ، فأتاه رجل ، فقال : ما الإيمان ؟ قال : «أن تؤمن بالله وملائكته وبكتابه ورسله ، وتؤمن بالبعث» ، قال : ما الإسلام ؟ قال : «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة ، وتصوم رمضان» ، قال : ما الإحسان ؟ قال : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك» ، قال :

                                                                                                                                                                                                                              متى الساعة ؟ قال : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت المرأة ربتها ، وإذا تطاول رعاء الإبل إليهم (في البنيان ) في خمس لا يعلمهن إلا الله» ، ثم أدبر فقال :

                                                                                                                                                                                                                              ردوه فلم يروا شيئا ، فقال : «هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح أن حارثة بن النعمان قال : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل ، فسلمت عليه ومررت ، فلما رجعنا وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «هل رأيت الذي كان معي ؟ » قلت : نعم ، قال : «فإنه جبريل قد رد عليك السلام» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو موسى المديني في المعرفة عن تميم بن سلمة ، قال : بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ انصرف من عنده رجل ، فنظرت إليه موليا معتما بعمامة قد أرسلها من ورائه ، قلت : يا رسول الله ، من هذا ؟ قال : «جبريل» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه ، فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا ، فقال : أي بني ، ألم تر أن ابن عمك كالمعرض عني ؟ قلت : نعم ، يا أبت! إنه كان عنده رجل يناجيه ، فرجع ، فقال : يا [ ص: 46 ]

                                                                                                                                                                                                                              رسول الله ، قلت لعبد الله كذا وكذا فقال : إنه كان عندك رجل يناجيك ، هل كان عندك أحد ؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : «وهل رأيته ، يا عبد الله ؟ » قلت : نعم ، قال : «ذاك جبريل هو الذي كان يشغلني عنك»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عنه قال : رأيت جبريل مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم «لما رأيت جبريل : لم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا ولكن أن يجعل ذلك في آخر عمرك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عنه قال : عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فلما دنا من منزله سمعته يتكلم في الداخل ، فلما دخل لم ير أحدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كنت تكلم ؟ » قال : يا رسول الله ، دخل علي داخل ما رأيت رجلا قط بعدك أكرم مجلسا ولا أحسن حديثا منه ، قال : «ذاك جبريل وإن منكم لرجالا لو أن أحدهم (يقسم ) على الله لأبره» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن مسلمة ، قال : مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واضع خده على خد رجل فلم أسلم ثم رجعت ، فقال : «ما منعك أن تسلم ؟ » قلت : يا رسول الله ، رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئا ما فعلته بأحد من الناس فكرهت أن أقطع عليك حديثك ، فمن كان يا رسول الله ؟ قال : «جبريل» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : «رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه ، فقلت : يا رسول الله ، من هذا ؟ قال : «بمن تشبهينه ؟ » قالت : بدحية ، فقال : «لقد رأيت جبريل» ، قالت فما لبثت إلا اليسير حتى قال : «يا عائشة ، هذا جبريل يقرئك السلام» ، قلت : وعليه السلام جزاه الله من دخيل خيرا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال أبي بن كعب رضي الله عنه : لأدخلن المسجد ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد ، فلما صلى وجلس ليحمد الله ، ويثني عليه إذا هو بصوت عال من خلفه يقول : اللهم لك الحمد كله ولك الأمر كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره ، لك الحمد إنك على كل شيء قدير ، اغفر ما مضى من ذنوبي ، واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني أعمالا زاكية ، ترضى بها عني ، وتب علي . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه ، فقال : «ذاك جبريل عليه السلام» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي وابن عساكر عن حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم [ ص: 47 ] خرج فتبعته فإذا عارض قد عرض له فقال لي : «يا حذيفة . هل رأيت العارض الذي عرض لي ؟ » قلت : نعم ، قال : «ذاك ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبلها ، استأذن ربه فسلم علي ، وبشرني بالحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ، فرفع رأسه إلى السماء ، فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : «تلك الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبح الناس ينظرون إليها لا تتوارى منهم» . [ ص: 48 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية