الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حكم الكفالة .

                                                                                                                                فنقول وبالله التوفيق للكفالة حكمان أحدهما ثبوت ولاية مطالبة الكفيل بما على الأصيل عند عامة مشايخنا ويطرد هذا الحكم في سائر أنواع الكفالات لأن الكل في احتمال هذا الحكم على السواء وإنما يختلف محل الحكم من العين والدين والفعل فيطالب الكفيل بالدين بدين واجب على الأصيل لا عليه فالدين على واحد والمطالب به اثنان غير أن الكفيل إن كان واحدا يطالب بكل الدين وإن كان به كفيلان والدين ألف يطالب كل واحد منهما بخمسمائة إذا لم يكفل كل واحد منهما عن صاحبه لأنهما استويا في الكفالة والمكفول به يحتمل الانقسام فينقسم عليهما في حق المطالبة كما في الشراء ويطالب الكفيل بالنفس بإحضار المكفول بنفسه إن لم يكن غائبا وإن كان غائبا يؤخذ الكفيل إلى مدة يمكنه إحضاره فيها فإن لم يحضر في المدة ولم يظهر عجزه للقاضي حبسه إلى أن يظهر عجزه له فإذا علم القاضي ذلك بشهادة الشهود أو غيرها أطلقه وأنظره إلى حال القدرة على إحضاره لأنه بمنزلة المفلس لكن لا يحول بين الطالب والكفيل بل يلازمه من الطالب ولا يحول الطالب أيضا بينه وبين أشغاله ولا يمنعه من الكسب وغيره ويطالب الكفيل بالعين بتسليم عينها إن كانت قائمة ومثلها أو قيمتها إن كانت هالكة ويطالب الكفيل بتسليم العين وبالفعل بهما وقال بعض مشايخنا إن حكم الكفالة بالدين وجوب أصل الدين على الكفيل والمطالبة مرتب عليه فيطالب الكفيل بدين واجب عليه لا على الأصيل كما يطالب الأصيل بدين عليه لا على الكفيل فيتعدد الدين حسب تعدد المطالبة وبه أخذ شيخه الإمام الشافعي رحمه الله وزعم أن هذا يمنع من صحة الكفالة بالأعيان المضمونة والنفس والفعل لأن هذا الحكم لا يتحقق في الكفالة بغير الدين وهذا غير سديد لأن الكفالات أنواع لكل نوع حكم على حدة فانعدام حكم نوع منها لا يدل على انعدام حكم نوع آخر فأما براءة الأصيل فليس حكم الكفالة عند عامة العلماء والطالب بالخيار إن شاء طالب الأصيل وإن شاء طالب الكفيل إلا إذا كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل لأنها حوالة معنى أو كانت مقيدة بما عليه من الدين لأنها في معنى الحوالة أيضا .

                                                                                                                                وقال ابن أبي ليلى إن الكفالة توجب براءة الأصيل والصحيح قول العامة لأن الكفالة تنبئ عن الضم وهو ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة بما على الأصيل أو في حق أصل الدين والبراءة تنافي الضم ولأن الكفالة لو كانت مبرئة لكانت حوالة وهما متغايران لأن تغاير الأسامي دليل تغاير المعاني في الأصل وأيهما اختار مطالبته لا يبرأ الآخر بل يملك مطالبته فرق بين هذا وبين غاصب الغاصب أن للمالك أن يضمن أيهما شاء فإذا اختار تضمين أحدهما لا يملك اختيار تضمين الآخر ( ووجه ) الفرق أن المضمونات تملك عند اختيار الضمان فإذا اختار تضمين أحدهما فقد هلك المضمون فلا يملك الرجوع عنه وهذا المعنى هنا معدوم لأن اختيار الطالب مطالبة أحدهما بالمضمون [ ص: 11 ] لا يتضمن ملك المضمون فهو الفرق .

                                                                                                                                وكذا فرقوا بين هذا وبين العبد المشترك بين اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر حتى يثبت للشريك الساكت اختيار تضمين المعتق واستسعاء العبد فاختيار أحدهما يبطل اختيار الآخر لأنه لما اختار الضمان صار نصيبه منقولا إلى المعتق عند اختياره لأن المضمونات تملك عند اختيار الضمان فلو اختار الاستسعاء يسعى وهو رقيق وإنما يعتق كله بأداء السعاية وبينهما تناف ولا تناف ههنا لأن الطالب لا يملك المضمون باختيار المطالبة فيملك مطالبة الآخر .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية