الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الأضحية عن الميت

                                                                                                          1495 حدثنا محمد بن عبيد المحاربي الكوفي حدثنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش عن علي أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه فقيل له فقال أمرني به يعني النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدعه أبدا قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك وقد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحى عنه وقال عبد الله بن المبارك أحب إلي أن يتصدق عنه ولا يضحى عنه وإن ضحى فلا يأكل منها شيئا ويتصدق بها كلها قال محمد قال علي بن المديني وقد رواه غير شريك قلت له أبو الحسناء ما اسمه فلم يعرفه قال مسلم اسمه الحسن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2465 قوله : ( حدثنا شريك ) هو ابن عبد الله النخعي الكوفي ( عن أبي الحسناء ) ، قال في الخلاصة : أبو الحسناء عن الحكم وعنه شريك اسمه الحسن أو الحسين انتهى . وقال في الميزان حدث عنه شريك لا يعرف له عن الحكم بن عتيبة انتهى . وقال الحافظ في التقريب مجهول انتهى . ( عن الحكم ) هو ابن عتيبة ثقة ثبت ( عن حنش ) قال القاري بفتح الحاء المهملة وبالنون المفتوحة والشين المعجمة : هو ابن عبد الله السبائي ، قيل : إنه كان مع علي بالكوفة وقدم مصر بعد قتل علي انتهى . قلت : حنش هذا ليس ابن عبد الله السبئي بل هو حنش بن المعتمر الكناني أبو المعتمر الكوفي كما صرح به المنذري .

                                                                                                          قوله : ( أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه ) وفي رواية أبي داود قال : رأيت عليا رضي الله عنه يضحي بكبشين ، فقلت له ما هذا فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه ، فأنا أضحي عنه . وفي رواية صححها الحاكم على ما في المرقاة أنه كان يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه ، وقال إن رسول الله أمرني أن أضحي عنه أبدا ، فأنا أضحي عنه أبدا . فرواية الحاكم هذه مخالفة لرواية الترمذي . ويمكن الجمع بأن يقال إنه صلى الله عليه وسلم أمر عليا وأوصاه أن يضحي عنه من غير تقييد بكبش أو بكبشين : فعلي قد يضحي عنه وعن نفسه بكبش كبش ، وقد يضحي بكبشين كبشين والله تعالى أعلم ( أمرني به يعني النبي صلى الله عليه وسلم فلا أدعه ) بفتح الدال المهملة أي لا أتركه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك ) قال المنذري : حنش هو أبو المعتمر الكناني الصنعاني وتكلم فيه غير واحد ، وقال ابن حبان البستي : وكان كثير الوهم في الأخبار ينفرد عن علي بأشياء لا يشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج به . وشريك هو ابن عبد الله القاضي فيه مقال ، وقد أخرج له مسلم في المتابعات انتهى . قلت : وأبو الحسناء شيخ عبد الله مجهول كما عرفت ، فالحديث ضعيف .

                                                                                                          [ ص: 66 ] قوله : ( وقد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحى عنه ) أي عن الميت ، واستدل من رخص بحديث الباب لكنه ضعيف ( وقال عبد الله بن المبارك : أحب إلي أن يتصدق عنه ولا يضحى عنه وإن ضحى فلا يأكل منها شيئا ويتصدق بها كلها ) . وكذلك حكى الإمام البغوي في شرح السنة عن ابن المبارك قال في غنية الألمعي ما محصله : إن قول من رخص في التضحية عن الميت مطابق للأدلة ولا دليل لمن منعها ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي كبشين أحدهما عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ والآخر عن نفسه وأهل بيته ، ومعلوم أن كثيرا منهم قد كانوا ماتوا في عهده صلى الله عليه وسلم ، فدخل في أضحيته صلى الله عليه وسلم الأحياء والأموات كلهم . والكبش الواحد الذي يضحي به عن أمته كما كان للأحياء من أمته ، كذلك كان للأموات من أمته بلا تفرقة . ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصدق بذلك الكبش كله ولا يأكل منه شيئا بل قال أبو رافع : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما ، رواه أحمد . وكان دأبه صلى الله عليه وسلم أنه يأكل من الأضحية هو وأهله ويطعم منها المساكين وأمر بذلك أمته ، ولم يحفظ عنه خلافه . فإذا ضحى الرجل عن نفسه وعن بعض أمواته أو عن نفسه وعن أهله وعن بعض أمواته ، فيجوز أن يأكل هو وأهله من تلك الأضحية ، وليس عليه أن يتصدق بها كلها . نعم أن تخص الأضحية للأموات من دون شركة الأحياء فيها فهي حق للمساكين كما قال عبد الله بن المبارك انتهى ما في غنية الألمعي محصلا .

                                                                                                          قلت : لم أجد في التضحية عن الميت منفردا حديثا مرفوعا صحيحا . وأما حديث علي المذكور في هذا الباب فضعيف كما عرفت . فإذا ضحى الرجل عن الميت منفردا فالاحتياط أن يتصدق بها كلها والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية