الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزي عن أهل البيت

                                                                                                          1505 حدثني يحيى بن موسى حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان حدثني عمارة بن عبد الله قال سمعت عطاء بن يسار يقول سألت أبا أيوب الأنصاري كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وعمارة بن عبد الله هو مدني وقد روى عنه مالك بن أنس والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحق واحتجا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبش فقال هذا عمن لم يضح من أمتي وقال بعض أهل العلم لا تجزي الشاة إلا عن نفس واحدة وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره من أهل العلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2482 قوله : ( كان الرجل يضحي بالشاة ) أي الواحدة ( عنه ) أي عن نفسه ( وعن أهل بيته ) وفي رواية مالك في الموطأ كنا نضحي بالشاة الواحدة ، يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ( فيأكلون ويطعمون ) من الإطعام ( حتى تباهى الناس ) أي تفاخروا ، وفي رواية مالك : ثم تباهى الناس بعد ، وفي رواية في موطئه : ثم تباهى الناس بعد ذلك ( فصارت ) أي الضحايا ( كما ترى ) . وفي رواية مالك فصارت مباهاة .

                                                                                                          [ ص: 76 ] قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك في الموطأ وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق ) وهو قول مالك والليث والأوزاعي . قال العيني في البناية بعدما ذكر حديث عبد الله بن هشام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي الشاة الواحدة عن جميع أهله ، وحديث أنه ذبح كبشا عن أمته ، وبهذه الأخبار ذهب مالك وأحمد والليث والأوزاعي إلى جواز الشاة عن أكثر من واحد ، كذا في التعليق الممجد . وقال مالك في الموطأ : أحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة الواحدة أن الرجل ينحر عنه وعن أهل بيته البدنة ، ويذبح البقرة والشاة الواحدة هو يملكها ويذبحها عنهم ويشركهم فيها انتهى . واحتج هؤلاء الأئمة بحديث أبي أيوب المذكور في هذا الباب ، وهو نص صريح في أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته وإن كانوا كثيرين وهو الحق .

                                                                                                          قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم ، كما قال عطاء بن يسار : سألت أبا أيوب الأنصاري ، كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون . قال الترمذي حديث حسن صحيح .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بحديث أبي سريحة قال : أحملني أهلي على الجفاء بعدما علمت من السنة ، كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا ، رواه ابن ماجه . قال الشوكاني في النيل : وحديث أبي سريحة إسناده في سنن ابن ماجه إسناد صحيح ، وقال : والحق أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت ، وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة انتهى .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بما أخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن [ ص: 77 ] هشام ، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير فمسح رأسه ودعا له ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله . وقال الحاكم صحيح الإسناد وهو خلاف من يقول إنها لا تجزئ إلا عن الواحدة انتهى . كذا في تخريج الهداية للزيلعي . وقال الزيلعي قبل هذا : ويشكل على المذهب يعني مذهب الحنفية أيضا في منعهم الشاة لأكثر من واحد بالأحاديث المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش عنه وعن أمته . وأخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام إلخ .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد ، فأتى به ليضحي به قال : يا عائشة هلمي المدية ثم قال : " اشحذيها بحجر " ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه . ثم قال : بسم الله . اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ، ثم ضحى به رواه مسلم . قال الخطابي في المعالم : قوله : تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهله وإن كثروا . وروي عن أبي هريرة وابن عمر أنهما كانا يفعلان ذلك ، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه انتهى .

                                                                                                          فإن قلت هذه الأحاديث منسوخة ، أو مخصوصة لا يجوز العمل بها ، كما قال الطحاوي في شرح الآثار ، قلت : تضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته وإشراكهم في أضحيته مخصوص به صلى الله عليه وسلم . وأما تضحيته عن نفسه وآله فليس بمخصوص به صلى الله عليه وسلم ولا منسوخا ، والدليل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يضحون الشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته كما عرفت ، ولم يثبت عن أحد من الصحابة التضحية عن الأمة وإشراكهم في أضحيته ألبتة ، وأما ما ادعاه الطحاوي فليس عليه دليل .

                                                                                                          فإن قلت : حديث أبي أيوب المذكور محمول على ما إذا كان الرجل محتاجا إلى اللحم أو فقيرا لا يجب عليه الأضحية فيذبح الشاة الواحدة عن نفسه ، ويطعم اللحم أهل بيته أو يشركهم في الثواب ، فذلك جائز ، وأما الاشتراك في الشاة الواحدة في الأضحية الواجبة فلا ، فإن الاشتراك خلاف القياس ، وإنما جوز في البقر والإبل لورود النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل والبقرة ولا نص في الشاة ، كذا في التعليق الممجد نقلا عن البناية للعيني .

                                                                                                          قلت : كما ورد النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل والبقرة ، كذلك [ ص: 78 ] ورد النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشاة الواحدة إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقرة من أهل أبيات شتى . وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد كما عرفت ، فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس وأنه لا نص فيه باطل جدا . وأما حملهم حديث أبي أيوب المذكور على ما إذا كان الرجل محتاجا إلى اللحم أو فقيرا لا يجب عليه الأضحية فلا دليل عليه ، ولم يثبت أن من كان من الصحابة يجد سعة يضحي الشاة عن نفسه فقط ولا يشرك أهله فيها ، ومن كان منهم لا يجد سعة يضحي الشاة الواحدة عن نفسه وعن أهله ويشركهم فيها ، ولما لم يثبت هذا التفريق بطل حمل الحديث عليه . والظاهر أن أبا سريحة كان ذا سعة ولم يكن فقيرا ، ومع هذا كان يضحي الشاة الواحدة عن أهل بيته فإنه لو كان فقيرا لم يحمله أهله على الجفاء ولم يبخله جيرانه .




                                                                                                          الخدمات العلمية