الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 28 ] ( 525 )

ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة

ذكر أسر دبيس بن صدقة وتسليمه إلى عماد الدين زنكي

في هذه السنة في شعبان ، أسر تاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق ، الأمير دبيس بن صدقة صاحب الحلة ، وسلمه إلى أتابك الشهيد زنكي بن آقسنقر .

وسبب ذلك أنه لما فارق البصرة - على ما ذكرناه - جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها ; لأن صاحبها كان خصيا ، فتوفي هذه السنة ، وخلف جارية سرية له ، فاستولت على القلعة وما فيها ، وعلمت أنها لا يتم لها ذلك إلا بأن تتصل برجل له قوة ونجدة ، فوصف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته ، وذكر لها حاله وما هو عليه بالعراق ، فأرسلت تدعوه إلى صرخد لتتزوج به ، وتسلم القلعة وما فيها من مال وغيره إليه .

فأخذ الأدلاء معه ، وسار من أرض العراق إلى الشام ، فضل به الأدلاء بنواحي دمشق ، فنزل بناس من كلب شرقي الغوطة ، فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك صاحب دمشق ، فحبسه عنده .

وسمع أتابك عماد الدين زنكي الخبر ، وكان دبيس يقع فيه وينال منه ، فأرسل إلى تاج الملوك يطلب منه دبيسا ليسلمه إليه ويطلق ولده ، ومن معه من الأمراء المأسورين ، وإن امتنع من تسليمه سار إلى دمشق وحصرها وخربها ، ونهب بلدها ، فأجاب تاج الملوك إلى ذلك ، وأرسل أتابك سونج بن تاج الملوك والأمراء الذين معه ، وأرسل تاج الملوك دبيسا ، فأيقن دبيس بالهلاك ، ففعل زنكي معه خلاف ما [ ص: 29 ] ظن وأحسن إليه ، وحمل له الأقوات والسلاح والدواب وسائر أمتعة الخزائن ، وقدمه حتى على نفسه ، وفعل معه ما يفعل أكابر الملوك .

ولما سمع المسترشد بالله بقبضه بدمشق أرسل سديد الدولة بن الأنباري وأبا بكر بن بشر الجزري من جزيرة ابن عمر إلى تاج الملوك يطلب منه أن يسلم دبيسا إليه لما كان متحققا به من عداوة الخليفة ، فسمع سديد الدولة بن الأنباري بتسلمه إلى عماد الدين وهو في الطريق ، فسار إلى دمشق ولم يرجع ، وذم أتابك زنكي بدمشق واستخف به ، وبلغ الخبر عماد الدين ، فأرسل إلى طريقه من يأخذه إذا عاد ، فلما رجع من دمشق قبضوا عليه وعلى ابن بشر ، وحملوهما إليه ، فأما ابن بشر فأهانه وجرى في حقه مكروه ، وأما ابن الأنباري فسجنه .

ثم إن المسترشد بالله شفع فيه فأطلق ، ولم يزل دبيس مع زنكي حتى انحدر معه إلى العراق ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

ذكر وفاة السلطان محمود وملك ابنه دواد

في هذه السنة في شوال توفي السلطان محمود ابن السلطان محمود بهمذان ، وكان قبل مرضه قد خاف وزيره أبو القاسم الأنساباذي من جماعة من الأمراء وأعيان الدولة ، ومنهم : عزيز الدين أبو نصر أحمد بن حامد المستوفي ، والأمير أنوشتكين المعروف بشيركير ، وولده عمر ، وهو أمير حاجب السلطان ، وغيرهم ، فأما عزيز الدين فأرسله مقبوضا عليه إلى مجاهد الدين بهروز بتكريت ، ثم قتل بها ، وأما شيركير وولده فقتلا في جمادى الآخرة .

ثم إن السلطان مرض وتوفي في شوال ، وأقعد ولده دواد في السلطنة باتفاق من الوزير أبي القاسم ، وأتابكه آقسنقر الأحمديلي ، وخطب له في جميع بلاد الجبل وأذربيجان ، ووقعت الفتنة بهمذان وسائر بلاد الجبل ، ثم سكنت ، فلما اطمأن الناس وسكنوا سار الوزير بأمواله إلى الري ، فأمن فيها حيث هي للسلطان سنجر .

وكان عمر السلطان محمود لما توفي نحو سبع وعشرين سنة ، وكانت ولايته [ ص: 30 ] للسلطنة اثنتي عشرة سنة ، وتسعة أشهر وعشرين يوما ، وكان حليما كريما عاقلا ، يسمع ما يكره ولا يعاقب عليه مع القدرة ، قليل الطمع في أموال الرعايا عفيفا عنها ، كافا لأصحابه عن التطرق إلى شيء منها .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ثار الباطنية بتاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق ، فجرحوه جرحين ، فبرأ أحدهما ، وتنسر الآخر ، وبقي فيه ألمه ، إلا أنه يجلس للناس ويركب معهم على ضعف فيه .

[ الوفيات ]

وفيها توفي الأمير أبو الحسن بن المستظهر بالله أخو المسترشد بالله في رجب .

وفيها في شوال توفي الحسن بن سلمان بن عبد الله أبو علي الفقيه الشافعي الواعظ مدرس النظامية ببغداذ ، وأصله من الزوزان .

والخطيب أبو نصر أحمد بن عبد القاهر المعروف بابن الطوسي ، خطيب الموصل ، توفي في ربيع الأول .

وحماد بن مسلم الدباس الرحبي الزاهد المشهور ، صاحب الكرمات ، وسمع [ ص: 31 ] الحديث ، له أصحاب وتلامذة كثيرون ساروا ، ورأيت الشيخ أبا الفرج بن الجوزي قد ذمه وثلبه ، ولهذا الشيخ أسوة بغيره من الصالحين ، فإن ابن الجوزي قد صنف كتابا سماه تلبيس إبليس لم يبق فيه على أحد من سادة المسلمين وصالحيهم .

وهبة الله بن محمد عبد الواحد بن الحصين الشيباني الكاتب ، ومولده سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة ، سمع أبا علي بن المهذب ، وأبا طالب بن غيلان ، وغيرهما ، وهو راوي " مسند " أحمد بن حنبل والغيلانيات " وغيرهما .

ومحمد بن الحسن بن علي بن الحسن أبو غالب الماوردي ، ولد سنة خمسين وأربعمائة بالبصرة ، وسمع الحديث الكثير ، وروى سنن أبي دواد السجستاني ، وكان صالحا .

التالي السابق


الخدمات العلمية