الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في صلة الرحم

                                                                      1689 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد هو ابن سلمة عن ثابت عن أنس قال لما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال أبو طلحة يا رسول الله أرى ربنا يسألنا من أموالنا فإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بأريحاء له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلها في قرابتك فقسمها بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب قال أبو داود بلغني عن الأنصاري محمد بن عبد الله قال أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان إلى حرام وهو الأب الثالث وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو يجمع حسان وأبا طلحة وأبيا قال الأنصاري بين أبي وأبي طلحة ستة آباء

                                                                      التالي السابق


                                                                      بفتح الراء وكسر الحاء ، وذو الرحم هو الأقارب ، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ، ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء . وصلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم ، والرفق بهم ، والرعاية لأحوالهم وكذلك إن بعدوا أو أساءوا . وقطع الرحم ضد ذلك كله ، يقال وصل رحمه يصلها وصلا وصلة ، والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة ، فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر كذا في النهاية .

                                                                      ( لما نزلت ) : أي هذه الآية لن تنالوا البر أي الجنة ، قاله ابن مسعود [ ص: 82 ] وابن عباس ومجاهد ، وقيل التقوى ، وقيل الطاعة ، وقيل الخير . وقال الحسن : لن تكونوا أبرارا حتى تنفقوا مما تحبون ، أي من أحب أموالكم إليكم ( قال أبو طلحة ) : الأنصاري زوج أم أنس بن مالك ( أرى ) : أي أظن ( بأريحاء ) : قال في النهاية هذه اللفظة كثيرا ما تختلف ألفاظ المحدثين فيها ، فيقولون : بيرحا بفتح الباء وكسرها ، وبفتح الراء وضمها والمد فيهما ، وبفتحهما والقصر وهي اسم مال وموضع بالمدينة .

                                                                      وقال الزمخشري في الفائق : إنها فيعلى من البراح ، وهي الأرض الظاهرة ، انتهى كلام ابن الأثير . وقال العيني : قال التيمي وبيرحا بستان ، وكانت بساتين المدينة تدعى بالآبار التي فيها ، أي البستان التي فيه بئر حا أضيف البئر إلى حا . ويروى بيرحا بفتح الباء وسكون التحتية وفتح الراء ، هو اسم مقصور ، فهو كلمة واحدة ، لا مضاف ولا مضاف إليه . وفي معجم أبي عبيد حا على لفظ حرف الهجاء موضع بالشام ، وحا آخر موضع بالمدينة ، وهو الذي ينسب إليه بئر حا ، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت أريحا خرجه أبو داود ولا أعلم أريحا إلا بالشام ، انتهى كلامه مختصرا ( له ) : أي لربنا .

                                                                      قال الخطابي : إن الحبس إذا وقع أصله منها ولم يذكر المحبس حصر فيها بعد موته ، فإن مرجعها يكون إلى أقرب الناس من قبيلته ، وقياس ذلك فيمن وقفها على رجل فمات الموقف عليه ، وبقي الشيء محبس الأصل غير مبين السبيل أن يوضع في أقاربه ، وأن يتوخى في ذلك الأقرب فالأقرب ، ويكون في التقدير كأن الواقف قد شرطه له وهذا يشبه معنى قول الشافعي .

                                                                      وقال المزني : يرجع إلى أقرب الناس به إذا كان فقيرا ، وقصة أبي بن كعب تدل على أن الفقير والغني في ذلك سواء . وقال الشافعي : كان أبي يعد من مياسير الأنصار . وفيه دلالة على جواز قسم الأرض الموقوفة بين الشركاء وأن للقسم مدخلا فيما ليس بمملوك الرقبة . وقد يحتمل أن يكون أريد بهذا القسم قسمة ريعها دون رقبتها ، وقد امتنع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن قسمة أحباس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين علي والعباس - رضي الله عنهما - لما جاءاه يلتمسان ذلك انتهى . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وليس في حديثهما كلام الأنصاري . وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك [ ص: 83 ] أتم منه ، وفيه حب الرجل الصالح للمال ، وإباحة دخول بساتين الإخوان والأكل من ثمارها والشرب من مائها بغير إذن ، وفيه مدح صاحب الصدقة الجزلة ، وفيه أن الحبس المطلق جائز وحقه أن يصرف في جميع وجوه البر ، وفيه أن الصدقة على الأقارب وأولي الأرحام أفضل ، انتهى .

                                                                      ( فقسمها ) : أي قسم أبو طلحة أرضه ( عن الأنصاري ) : هو محمد بن عبد الله : المثنى البصري القاضي من التاسعة ( قال ) : محمد بن عبد الله الأنصاري في بيان قرابة أبي طلحة بين أبي حسان فذكر أولا نسب أبي طلحة ( أبو طلحة زيد بن سهل ) : هو اسم أبي طلحة ( ابن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ) : هكذا في نسخ الكتاب ، وهكذا في أسد الغابة ، والذي في الإصابة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عمرو بن مالك بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ( وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ) : بن عمرو بن زيد مناة وحسان بن ثابت ( وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك إلخ ) : هكذا في نسخ الكتاب ، والذي في أسد الغابة والإصابة أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ، انتهى .

                                                                      ( فعمرو ) : بن مالك ( يجمع حسان وأبا طلحة وأبيا ) : أي كلهم من أولاد عمرو بن مالك ( بين أبي وأبي طلحة ستة آباء ) : فعمرو بن مالك أب سادس لأبي بن كعب وأب سابع لأبي طلحة ، وكلام الأنصاري يشير بأن عمرا أب سادس لأبي طلحة أيضا ، وهذه منه مسامحة . نعم على ما في الإصابة يصير عمرو بن مالك أبا سادسا لأبي طلحة أيضا ، فيستقيم كلام الأنصاري والله أعلم . وفيه دليل واضح على أن في صلة الأرحام كما تعتبر وتلاحظ القرابة القريبة كذا تعتبر القرابة البعيدة أيضا كذا في غاية المقصود .




                                                                      الخدمات العلمية