الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة النحل

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ( 1 ) ) .

قوله تعالى : ( أتى ) : هو ماض على بابه ; وهو بمعنى قرب .

وقيل : يراد به المستقبل ، ولما كان خبر الله صدقا ، جاز قطعا أن يعبر بالماضي عن المستقبل . والهاء في " تستعجلوه " تعود على الأمر ، وقيل : على الله .

قال تعالى : ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( ينزل الملائكة ) : فيه قراءات ، ووجوهها ظاهرة .

و ( بالروح ) : في موضع نصب على الحال من الملائكة ; أي ومعها الروح ، وهو الوحي . و ( من أمره ) : حال من الروح .

( أن أنذروا ) : أن بمعنى أي ; لأن الوحي يدل على القول ، فيفسر بأن ، فلا موضع لها .

[ ص: 102 ] ويجوز أن تكون مصدرية في موضع جر بدلا من الروح ، أو بتقدير حرف الجر على قول الخليل ، أو في موضع نصب على قول سيبويه .

( أنه لا إله إلا أنا ) : الجملة في موضع نصب مفعول " أنذروا " أي أعلموهم بالتوحيد ، ثم رجع من الغيبة إلى الخطاب ، فقال : " فاتقون " .

قال تعالى : ( خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( فإذا هو خصيم ) : إن قيل : الفاء تدل على التعقيب ، وكونه خصيما لا يكون عقيب خلقه من نطفة ; فجوابه من وجهين :

أحدهما : أنه أشار إلى ما يئول حاله إليه ، فأجرى المنتظر مجرى الواقع ، وهو من باب التعبير بآخر الأمر عن أوله ; كقوله : ( أراني أعصر خمرا ) [ يوسف : 36 ] . وقوله تعالى : ( وينزل لكم من السماء رزقا ) [ غافر : 13 ] أي سبب الرزق ; وهو المطر .

والثاني : أنه إشارة إلى سرعة نسيانهم مبدأ خلقهم .

قال تعالى : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ( 5 ) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( والأنعام ) : هو منصوب بفعل محذوف ، وقد حكي في الشاذ رفعها . و ( لكم ) : فيها وجهان :

أحدهما : هي متعلقة بخلق ; فيكون " فيها دفء " جملة في موضع الحال من الضمير المنصوب .

والثاني : يتعلق بمحذوف ، فدفء : مبتدأ ، والخبر : لكم .

وفي " فيها " وجهان :

أحدهما : هو ظرف للاستقرار في " لكم " .

والثاني : هو حال من " دفء " . ويجوز أن يكون " لكم " حالا من " دفء " ، و " فيها " الخبر . ويجوز أن يرتفع " دفء " بلكم أو بفيها ، والجملة كلها حال من الضمير المنصوب .

ويقرأ " دف " بضم الفاء من غير همز ، ووجهه أنه ألقى حركة الهمزة على الفاء وحذفها .

و ( لكم فيها دفء ) : مثل " ولكم فيها دفء " .

[ ص: 103 ] و ( حين ) : ظرف لجمال ، أو صفة له ، أو معمول فيها .

قال تعالى : ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم ( 7 ) ) .

قوله تعالى : ( بالغيه ) : الهاء في موضع جر بالإضافة عند الجمهور . وأجاز الأخفش أن تكون منصوبة ; واستدل بقوله تعالى : ( إنا منجوك وأهلك ) [ العنكبوت : 33 ] ويستوفى في موضعه ، إن شاء الله تعالى .

( إلا بشق ) : في موضع الحال من الضمير المرفوع في " بالغيه " أي مشقوقا عليكم ; والجمهور على كسر الشين . وقرئ بفتحها ، وهي لغة .

قال تعالى : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( والخيل ) : هو معطوف على الأنعام ; أي وخلق الخيل .

و ( زينة ) : أي لتركبوها ، ولتتزينوا بها زينة ; فهو مصدر لفعل محذوف .

ويجوز أن يكون مفعولا من أجله ; أي وللزينة . وقيل : التقدير : وجعلها زينة .

ويقرأ بغير واو ، وفيه الوجوه المذكورة ، وفيها وجهان آخران :

أحدهما : أن يكون مصدرا في موضع الحال من الضمير في تركبوا . والثاني : أن تكون حالا من الهاء ; أي لتركبوها تزينا بها .

قال تعالى : ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( ومنها جائر ) : الضمير يرجع على السبيل ، وهي تذكر وتؤنث . وقيل : السبيل بمعنى السبل ، فأنث على المعنى .

و ( قصد ) : مصدر بمعنى إقامة السبيل ، أو تعديل السبيل ، وليس مصدر قصدته بمعنى أتيته .

التالي السابق


الخدمات العلمية