الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ من أسلم وتحته أختان ]

المثال التاسع والثلاثون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة فيمن أسلم وتحته أختان أن يخير في إمساك من شاء منهما وترك الأخرى ، بأنه خلاف الأصول ، وقالوا : قياس الأصول يقتضي أنه إن نكح واحدة ، بعد واحدة فنكاح الثانية هو المردود ، ونكاح الأولى هو الصحيح من غير تخيير ، وإن نكحهما معا فنكاحهما باطل ، ولا تخيير ، وكذلك حديث من أسلم على عشر نسوة ، وربما أولوا التخيير بتخييره في ابتداء العقد على من شاء من المنكوحات .

ولفظ الحديث يأبى هذا التأويل أشد الإباء ; فإنه قال : { أمسك أربعا وفارق سائرهن } رواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان أسلم فذكره .

قال مسلم : هكذا روى معمر هذا الحديث بالبصرة ، فإن رواه عنه ثقة خارج البصريين حكمنا له بالصحة أو قال : صار الحديث صحيحا وإلا فالإرسال أولى .

قال البيهقي : فوجدنا سفيان بن سعيد الثوري وعبد الرحمن بن محمد المحاربي وعيسى بن يونس - وثلاثتهم كوفيون - حدثوا به عن معمر متصلا ، وهكذا روي عن يحيى بن أبي كثير وهو يماني وعن الفضل بن موسى وهو خراساني عن معمر متصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فصح الحديث بذلك . وقد روي عن أيوب السختياني عن نافع وسالم عن ابن عمر متصلا .

قال أبو علي الحافظ : تفرد به سوار بن محيشر عن أيوب ، وسوار بصري ثقة ، قال الحاكم : رواة هذا الحديث كلهم ثقات تقوم الحجة بروايتهم

. وقد روى أبو داود عن فيروز الديلمي قال : { قلت : يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان ، قال : طلق أيتهما شئت } .

فهذان الحديثان هما الأصول التي نرد ما خالفها من القياس ، أما أن نقعد قاعدا ونقول هذا هو الأصل ثم نرد السنة لأجل مخالفة تلك القاعد فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد ، وهذه القاعدة معلومة البطلان من الدين ; فإن أنكحة الكفار لم يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم كيف وقعت وهل صادفت الشروط المعتبرة في الإسلام فتصح أم لم تصادفها فتبطل ، وإنما اعتبر حالها وقت إسلام الزوج ; فإن كان ممن يجوز له المقام مع امرأته [ ص: 253 ] أقرهما .

ولو كان في الجاهلي قد وقع على غير شرطه من الولي والشهود وغير ذلك ، وإن لم يكن الآن ممن يجوز له الاستمرار لم يقر عليه كما لو أسلم وتحته ذات رحم محرم أو أختان أو أكثر من أربع ; فهذا هو الأصل الذي أصلته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما خالفه فلا يلتفت إليه ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية