الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3533 ) مسألة : قال : ( وإذا تداعى نفسان جدارا معقودا ببناء كل واحد منهما ، تحالفا ، وكان بينهما . وكذلك إن كان محلولا من بنائهما . وإن كان معقودا ببناء أحدهما ، كان له مع يمينه ) .

                                                                                                                                            وجملة ذلك أن الرجلين إذا تداعيا حائطا بين ملكيهما ، وتساويا في كونه معقودا ببنائهما معا ، وهو أن يكون متصلا بهما اتصالا لا يمكن إحداثه بعد بناء الحائط ، مثل اتصال البناء بالطين ، كهذه الفطائر التي لا يمكن إحداث اتصال بعضها ببعض ، أو تساويا في كونه محلولا من بنائهما ، أي غير متصل ببنائهما الاتصال المذكور ، بل بينهما شق مستطيل ، كما يكون بين الحائطين اللذين ألصق أحدهما بالآخر .

                                                                                                                                            فهما سواء في الدعوى ، فإن لم يكن لواحد منهما بينة تحالفا ، فيحلف كل واحد منهما على نصف الحائط ، أنه له ، ويجعل بينهما نصفين ; لأن كل واحد منهما يده على نصف الحائط ; لكون الحائط في أيديهما . وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط ، أنه له ، وما هو لصاحبه ، جاز ، وهو بينهما . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر . ولا أعلم فيه مخالفا ; وذلك لأن المختلفين في العين ، إذا لم يكن لواحد منهما بينة ، فالقول قول من هي في يده مع يمينه .

                                                                                                                                            فإذا كانت في أيديهما ، كانت يد كل واحد منهما على نصفها ، فيكون القول قوله في نصفها مع يمينه . وإن كان لأحدهما بينة ، حكم له بها ، وإن كان لكل واحد منهما بينة ، تعارضتا ، وصارا كمن لا بينة لهما . فإن لم يكن لهما بينة ، ونكلا عن اليمين ، كان الحائط في أيديهما على ما كان . وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر ، قضي على الناكل ، فكان الكل للآخر .

                                                                                                                                            وإن كان الحائط متصلا ببناء أحدهما دون الآخر ، فهو له مع يمينه . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي . وقال أبو ثور : لا يرجح بالعقد ، ولا ينظر إليه .

                                                                                                                                            ولنا ، أن الظاهر أن هذا البناء بني كله بناء واحدا ، فإذا كان بعضه لرجل ، كان بقيته له ، والبناء الآخر المحلول ، الظاهر أنه بني وحده ، فإنه لو بني مع هذا ، كان متصلا به ، فالظاهر أنه لغير صاحب هذا الحائط المختلف فيه ، فوجب أن يرجح بهذا ، كاليد والأزج . فإن قيل : فلم لم تجعلوه له بغير يمين لذلك ؟ قلنا : لأن ذلك ظاهر ، وليس بيقين ، إذ يحتمل أن يكون أحدهما بنى الحائط لصاحبه تبرعا مع حائطه ، أو كان له فوهبه إياه ، أو بناه بأجرة ، فشرعت اليمين من أجل الاحتمال ، كما شرعت في حق صاحب اليد وسائر من وجبت عليه اليمين .

                                                                                                                                            فأما إن كان معقودا ببناء أحدهما عقدا يمكن إحداثه ، مثل البناء باللبن والآجر ، فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنة أو آجرة ، أو يجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد بين الحائطين ، فقال القاضي : لا يرجح بهذا ; لاحتمال أن يكون صاحب الحائط فعل هذا ليتملك الحائط المشترك .

                                                                                                                                            وظاهر كلام الخرقي أنه يرجح بهذا الاتصال ، كما يرجح بالاتصال الذي لا يمكن إحداثه ; لأن الظاهر أن صاحب الحائط لا يدع غيره يتصرف فيه ، بنزع آجره ، وتغيير بنائه ، وفعل ما يدل على ملكه ، فوجب أن يرجح بهذا ، كما يرجح باليد ، فإنه يمكن أن تكون يدا عادية ، حدثت بالغصب أو بالسرقة أو العارية أو الإجارة ، فلم يمنع ذلك الترجيح بها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية