الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 819 ] قال الحافظ ابن حجر في أول كتابه أسباب النزول وسماه العجاب في بيان الأسباب : الذين اعتنوا بجمع التفسير المسند من طبقة الأئمة الستة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ويليه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي ومن طبقة شيوخهم عبد بن حميد بن نصر الكشي فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها كاستيعاب

                                                                                                                                                                                                                                      القراءات والإعراب والكلام في أكثر الآيات على المعاني والتصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض وكل من صنف بعده لم يجتمع له ما اجتمع فيه لأنه في هذه الأمور في مرتبة متقاربة وغيره يغلب عليه فن من الفنون فيمتاز فيه ويقصر في غيره . والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات وضعفاء، فمن الثقات مجاهد بن جبر ويروي التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية ومنهم عكرمة ويروي التفسير عنه من طريق الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه ومن طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير هكذا بالشك ولا يضر لكونه يدور على ثقة [ ص: 820 ] ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وعلي صدوق ولم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة ومن طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء هو الخراساني وهو لم يسمع من ابن عباس فيكون منقطعا إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح ، ومن روايات الضعفاء عن ابن عباس التفسير المنسوب لأبي النضر محمد ابن السائب الكلبي فإنه يرويه عن أبي صالح وهو مولى أم هانئ عن ابن عباس والكلبي اتهموه بالكذب وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه : كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب ومع ضعف الكلبي قد روى عنه تفسيره مثله أو أشد ضعفا وهو محمد بن مروان السدي الصغير ورواه عن محمد بن مروان مثله أو أشد ضعفا وهو صالح بن محمد الترمذي وممن روى التفسير عن الكلبي من الثقات سفيان الثوري ومحمد بن فضيل بن غزوان، ومن الضعفاء من قبل الحفظ حبان بكسر المهملة وتثقيل الموحدة وهو ابن علي العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي منقوطة ومنهم جويبر بن سعيد وهو واه روى التفسير عن الضحاك بن مزاحم وهو صدوق عن ابن عباس ولم يسمع منه شيئا، وممن روى التفسير عن الضحاك : علي بن الحكم وهو ثقة وعبيد بن سليمان وهو صدوق وأبو روق عطية بن الحارث وهو لا بأس به .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 821 ] ومنهم عثمان بن عطاء الخراساني يروي التفسير عن أبيه عن ابن عباس، ولم يسمع أبوه من ابن عباس، ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي بضم المهملة وتشديد الدال وهو كوفي صدوق لكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مرة بن شراحيل، عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وغيرهم وخلط روايات الجميع فلم تتميز روايات الثقة من الضعيف، ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك وربما التبس بالسدي الصغير الذي تقدم ذكره . ومنهم إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني وهو ضعيف يروي التفسير عن أبيه عن عكرمة وإنما ضعفوه لأنه وصل كثيرا من الأحاديث بذكر ابن عباس وقد روى عنه تفسيره عبد بن حميد . ومنهم إسماعيل بن أبي زياد الشامي وهو ضعيف جمع تفسيرا كبيرا فيه الصحيح والسقيم وهو في عصر أتباع التابعين . ومنهم عطاء بن دينار وفيه لين روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس تفسيرا رواه عنه ابن لهيعة وهو ضعيف . ومن تفاسير التابعين ما يروى عن قتادة وهو من طرق منها رواية [ ص: 822 ] عبد الرزاق عن معمر عنه ورواية آدم بن أبي إياس وغيره عن شيبان عنه ورواية يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عنه . ومن تفاسيرهم تفسير الربيع بن أنس عن أبي العالية واسمه رفيع بالتصغير الرياحي بالمثناة التحتية والحاء المهملة وبعضه لا يسمي الربيع فوقه أحد وهو يروى من طرق منها رواية عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عنه . ومنها تفاسير مقاتل بن حيان من طريق محمد بن مزاحم بن بكير بن معروف عنه ومقاتل هذا صدوق وهو غير مقاتل بن سليمان الآتي ذكره . ومن تفاسير ضعفاء التابعين فمن بعدهم تفسير زيد بن أسلم من رواية ابنه عبد الرحمن عنه وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب وغيره عن عبد الرحمن عن أبيه وعن غير أبيه وفيه أشياء كثيرة لا يسندها لأحد وعبد الرحمن من الضعفاء وأبوه من الثقات . ومنها تفسير مقاتل بن سليمان وقد نسبوه إلى الكذب، وقال الشافعي : مقاتل قاتله الله تعالى، وإنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه اشتهر عنه القول [ ص: 823 ] بالتجسيم وروى تفسير مقاتل هذا عنه أبو عصمة نوح بن أبي مريم الجامع وقد نسبوه إلى الكذب ورواه أيضا عن مقاتل الحكم بن هذيل وهو ضعيف لكنه أصلح حالا من أبي عصمة . ومنها تفسير يحيى بن سلام المغربي وهو كبير في نحو ستة أسفار أكثر فيه النقل عن التابعين وغيرهم وهو لين الحديث وفيما يرويه مناكير كثيرة وشيوخه مثل

                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن أبي عروبة ومالك والثوري ويقرب منه تفسير سنيد بمهملة ونون مصغر واسمه الحسين بن داود وهو من طبقة شيوخ الأئمة الستة يروي عن حجاج بن محمد المصيصي كثيرا وعن أنظاره وفيه لين وتفسيره نحو تفسير يحيى بن سلام وقد أكثر ابن جريج التخريج منه . ومن التفاسير الواهية لوهاء رواتها التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني وهو قدر مجلدين يسنده إلى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وقد نسب ابن حبان موسى هذا إلى وضع الحديث ورواه عن موسى عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف . وقد يوجد كثير من أسباب النزول في كتب المغازي فما كان منها من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه أو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة فهو أصلح مما فيها من كتاب محمد بن إسحاق وما كان من رواية ابن إسحاق أمثل مما فيها من رواية الواقدي انتهى . [ ص: 824 ] قال مؤلفه وتقبل الله منه صنيعه : فرغت من تبييضه يوم عيد الفطر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية