الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في تغطية الفم وكظمه عند التثاؤب : وغط فما واكظم تصب في تثاؤب فذلك مسنون لأمر المرشد ( وغط ) أيها المتثائب ( فما ) حيث غلبك ولم تستطع كظمه ( واكظمه ) إن استطعت فإن المسنون لك إذا تثاءبت أن تكظم ، والكظم مسك فمه وانطباقه لئلا ينفتح مهما استطاع ، فإن غلب التثاؤب غطى الفم بكم أو غيره كيده ، { ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع } وفي رواية { فليضع يده على فمه فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب } وقال لي شيخنا التغلبي فسح الله له في قبره ، وأغدق عليه سحائب عفوه وبره : إن غطيت فمك في التثاؤب بيدك اليسرى فبظاهرها ، وإن كان بيدك اليمنى فبباطنها .

قال والحكمة في ذلك ; لأن اليسرى لما خبث ولا أخبث من الشيطان ، وإذا وضع [ ص: 453 ] اليمنى فبطنها ; لأنه أبلغ في الغطاء ، واليسرى معدة لدفع الشيطان ، وإذا غطى بظهر اليسرى فبطنها معد للدفع . انتهى . فإنك إن فعلت ما أمرت به من الكظم حسب الطاقة ثم تغطية الفم إذا لم تطق الكظم ( تصب ) من الإصابة وهي ضد الخطأ ( في ) فعلك الذي فعلته من الكظم والتغطية في ( تثاؤب ) بالهمز تثاؤبا ، وزان تفاعل تفاعلا ، قيل هي فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه . وتثاوب بالواو عامي قاله الحجاوي في لغة إقناعه .

وفي القاموس تثاءب وتثاوب أصابه كسل وفترة كفترة النعس وهي الثؤباء والثأب محركة . انتهى .

وفي مطالع الأنوار : إذا تثاءب والاسم الثؤباء ، ويسهل فيقال تثاوب قال ابن دريد أصله من ثيب فهو مثيب إذا كسل واسترخى فظهر بما قلنا أن الواو لغة لا كما قال الحجاوي .

قال في الآداب الكبرى : من تثاءب كظم ما استطاع للخبر وأمسك يده على فمه أو غطاه بكمه أو غيره إن غلب عليه التثاؤب لقوله عليه الصلاة والسلام { التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان } وفيه { إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل هاه هاه فإن ذلك من الشيطان يضحك منه } رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم ، والبخاري ولفظه { إذا تثاءب أحدكم في الصلاة } وقدمنا حديث { العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان } قال في النهاية إنما أحب العطاس ; لأنه إنما يكون مع خفة البدن وانفتاح المسام وتيسر الحركات ، والتثاؤب بخلافه . ولا يزيل يده عن فمه حتى يفرغ تثاؤبه . ويكره إظهاره بين الناس مع القدرة على كفه . وإن احتاجه تأخر عن الناس وفعله . وعنه يكره التثاؤب مطلقا .

( فذلك ) الذي ذكرناه لك من الكظم والتغطية وإدامة التغطية إلى فراغ التثاؤب وعدم إظهار صوت بنحو هاه وأخ وما له هجاء وإن كان ذلك في صلاة يعني إظهار ما له حروف هجاء أبطلها ; لأنه كالكلام ( مسنون ) يثاب على فعله لاقتدائه ( بأمر المرشد ) بضم الميم وشدد الشين رحمه الله ضرورة ، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم مأخوذ من الرشد يقال رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى ، والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه [ ص: 454 ] والرشيد في أسمائه تعالى الهادي إلى سواء الصراط ، والذي حسن تقديره فيما قدر . ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أرشد الناس إلى الطريق المستقيم والدين المتين القويم ، فهو المرشد الحكيم عليه أفضل الصلاة والتسليم .

( تتمة ) روي عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال سبع من الشيطان ، شدة الغضب ، وشدة العطاس ، وشدة التثاؤب ، والقيء ، والرعاف ، والنجوى ، والنوم عند الذكر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية