الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ؛ علم الإنسان حسي حاضر غير مغيب؛ لأنه لم يملك علم الغيب إلا الله (تعالى)؛ ومن يشاء - سبحانه - أن يعطيه من عباده؛ والعلم بالغيب هو العلم مما أكنه الله (تعالى) في الوجود في قابل الأمور؛ لا في ماضيها؛ فالماضي يعرف بالكتابة أو القراءة؛ أو نحو ذلك؛ وقد أمر الله (تعالى) نبيه بأن يبين لقومه أنه لا يعلم الأمور الغيبية إلا الله؛ فقال: قل ؛ أي: يا رسولي: لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ؛ و " من " ؛ هنا؛ للعاقل؛ وإذا انتفى الغيب عن العقلاء؛ فهو عن غيرهم أنفى؛ و " الغيب " ؛ مفعول به؛ و " من " ؛ هنا تشمل العقلاء جميعا؛ من يكونون في [ ص: 5476 ] السماوات والأرض فيدخل في العموم الملائكة؛ والجن؛ والإنس؛ والاستثناء متصل؛ فهو ليس منقطعا؛ بمعنى " لكن " ؛ وإن كان قد ادعى بعض المفسرين ذلك؛ وإن علم الإنسان في محيط وجوده؛ وهو يحسب أن علمه هو ما يشعر به وحده؛ ولا أحد غيره؛ حتى إن الأعمى؛ ما كان ليشعر بعلم المبصرين لولا تضافر الناس على نقص علمه؛ وكذلك الأصم؛ ولذا قال (تعالى): وما يشعرون أيان يبعثون ؛ أي: في أي وقت يبعثون؛ لا يشعرون في أي وقت يبعثون؛ والشعور علم يقارب الحس المتلمس؛ أي: ما يحسون في أي وقت يبعثون؛ كما قال (تعالى): إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ؛ وإنه يستفاد من هذا أن علم الغيب هو العلم بما يقع في المستقبل؛ لا بما هو واقع في الماضي أو الحاضر.

                                                          يروى في ذلك أنه دخل على الحجاج بن يوسف الثقفي منجم؛ فاعتقله؛ فأخذ حصوات فعدها؛ ثم قال: كم في يدي من حصاة؟ فحسب المنجم؛ ثم قال: كذا؛ فأصاب؛ ثم اعتقله؛ فأخذ حصوات لم يعدهن؛ ثم قال: كم في يدي؛ فحسب وأخطأ؛ ثم قال: أيها الأمير؛ أظنك لا تعرف عددها؛ وقال: لا؛ قال: فإني لا أجيد العد؛ قال: فما الفرق; قال: إن ذلك أحصيته فخرج عن حد الغيب؛ وهذا لم تحصه؛ فهو غيب؛ ولا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.

                                                          ولقد أخرج مسلم عن عائشة أنها قالت: " من زعم أن محمدا يعلم ما في غد؛ فقد أعظم الفرية على الله (تعالى)؛ يقول: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية