الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما شرائط الركن فأنواع : ( منها ) عقل المودع ، فلا يصح الإيداع من المجنون ، والصبي ، الذي لا يعقل ; لأن العقل شرط أهلية التصرفات الشرعية .

                                                                                                                                ( وأما ) بلوغه : فليس بشرط عندنا ، حتى يصح الإيداع من الصبي المأذون ; لأن ذلك مما يحتاج إليه التاجر ; فكان من توابع التجارة ، فيملكه الصبي المأذون ، كما يملك التجارة وعند الشافعي - رحمه الله - لا يملك التجارة ، فلا يملك توابعها على ما نذكر في كتاب المأذون .

                                                                                                                                وكذا حريته ليست بشرط فيملك العبد المأذون الإيداع لما قلنا في الصبي المأذون ، ( ومنها ) عقل المودع فلا يصح قبول الوديعة من المجنون ، والصبي الذي لا يعقل ; لأن حكم هذا العقد هو لزوم الحفظ ، ومن لا عقل له لا يكون من أهل الحفظ .

                                                                                                                                ( وأما ) بلوغه : فليس بشرط حتى يصح قبول الوديعة من الصبي المأذون ; لأنه من أهل الحفظ ; ألا ترى أنه أذن له الولي ولو لم يكن من أهل الحفظ لكان الإذن له سفها .

                                                                                                                                ( وأما ) الصبي المحجور عليه ، فلا يصح قبول الوديعة منه ; لأنه لا يحفظ المال عادة ألا ترى أنه منع منه ماله ؟ ولو قبل الوديعة فاستهلكها ; فإن كانت الوديعة عبدا أو أمة ; يضمن بالإجماع ، وإن كانت سواهما فإن قبلها بإذن الولي فكذلك ، وإن قبلها بغير إذنه - لا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد ، وعند أبي يوسف يضمن .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن إيداعه لو صح فاستهلك الوديعة ; يوجب الضمان ، وإن لم يصح ; جعل كأنه لم يكن ، فصار الحال بعد العقد كالحال قبله .

                                                                                                                                ولو استهلكها قبل العقد ; لوجب عليه الضمان إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما : أن إيداع الصبي المحجور إهلاك للمال معنى ، فكان فعل الصبي إهلاك مال قائم صورة لا معنى ، فلا يكون مضمونا عليه ، ودلالة ما قلنا : أنه لما وضع المال في يده ، فقد وضع في يد من لا يحفظه عادة ، ولا يلزمه الحفظ شرعا ، ولا شك أنه لا يجب عليه حفظ الوديعة شرعا ; لأن الصبي ليس من أهل وجوب الشرائع عليه ، والدليل على أنه لا يحفظ الوديعة عادة ; أنه منع عنه ماله ولو كان يحفظ المال عادة لدفع إليه ، قال الله تبارك وتعالى : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } ، وبهذا فارق المأذون ; لأنه يحفظ المال عادة ، ألا ترى أنه دفع إليه ماله .

                                                                                                                                ولو لم يوجد منه الحفظ عادة ; لكان الدفع إليه سفها ، بخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة ; لأن هناك لا يجب عليه ضمان المال أيضا ; وإنما يجب عليه ضمان الدم ; لأن الضمان الواجب بقتل العبد ضمان الآدمي ، لا ضمان المال ، والعبد من حيث إنه آدمي قائم من كل وجه قبل الإيداع وبعده ، فهو الفرق وكذلك حرية المودع ليست بشرط لصحة العقد ، حتى يصح القبول من العبد المحجور ، فلا يصح منه القبول ; لأنه لا يحفظ المال عادة .

                                                                                                                                ولو قبلها فاستهلكها ، فإن كانت عبدا أو أمة يؤمر المولى بالدفع ، أو الفداء وإن كانت سواهما ، فإن قبلها بإذن وليه ; يضمن بالإجماع وإن قبلها بغير إذن وليه ; لا يؤاخذ به في الحال عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يؤاخذ به في الحال ، والكلام في الطرفين على حسب ما ذكرنا في الصبي المحجور .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية