الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حكم العقد فالكلام فيه في موضعين : أحدهما في بيان أصل الحكم ، والثاني في بيان صفته أما الأول فهو ملك المنفعة للمستعير بغير عوض ، أو ما هو ملحق بالمنفعة عرفا وعادة عندنا ، وعند الشافعي إباحة المنفعة حتى يملك المستعير الإعارة ، عندنا في الجملة كالمستأجر يملك الإجارة ، وعنده لا يملكها أصلا ، كالمباح له الطعام لا يملك الإباحة من غيره .

                                                                                                                                وجه قول الشافعي دلالة الإجماع والمعقول أما الإجماع فلجواز العقد من غير أجل ، ولو كان تمليك المنفعة لما جاز من غير أجل كالإجارة ، وكذا المستعير لا يملك أن يؤجر العارية ، ولو ثبت الملك له في المنفعة لملك كالمستأجر وأما المعقول فهو أن القياس يأبى تمليك المنفعة ; لأن بيع المعدوم لانعدام المنفعة حالة العقد ، والمعدوم لا يحتمل البيع ; لأنه بيع ما ليس عند الإنسان ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، إلا أنها جعلت موجودة عند العقد في باب الإجارة حكما للضرورة ، ولا ضرورة إلى الإعارة ، فبقيت المنافع فيها على أصل العدم .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن المعير سلطه على تحصيل المنافع وصرفها إلى نفسه على وجه زالت يده عنها ، والتسليط على هذا الوجه يكون تمليكا لا إباحة كما في الأعيان ، وإنما [ ص: 215 ] صح من غير أجل ; لأن بيان الأجل للتحرز عن الجهالة المفضية إلى المنازعة ، والجهالة في باب العارية لا تفضي إلى المنازعة ; لأنها عقد جائز غير لازم ، ولهذا المعنى لا يملك الإجارة ; لأنها عقد لازم والإعارة عقد غير لازم ، فلو ملك الإجارة لكان فيه إثبات صفة اللزوم بما ليس بلازم ، أو سلب صفة اللزوم عن اللازم ، وكل ذلك باطل ، وقوله : المنافع منعدمة عند العقد قلنا : نعم ، لكن هذا لا يمنع جواز العقد كما في الإجارة ، وهذا لأن العقد الوارد على المنفعة عندنا عقد مضاف إلى حين وجود المنفعة ، فلا ينعقد في حق الحكم إلا عند وجود المنفعة شيئا فشيئا على حسب حدوثها ، فلم يكن بيع المعدوم ولا بيع ما ليس عند الإنسان ، وعلى هذا تخرج إعارة الدراهم والدنانير أنها تكون قرضا لا إعارة ; لأن الإعارة لما كانت تمليك المنفعة أو إباحة المنفعة على اختلاف الأصلين ، ولا يمكن الانتفاع إلا باستهلاكها ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتصرف في العين لا في المنفعة ، ولا يمكن - تصحيحا - إعارة حقيقية ، فتصحح قرضا مجازا لوجود معنى الإعارة فيه ، حتى لو استعار حليا ليتجمل به صح ; لأنه يمكن الانتفاع به من غير استهلاك بالتجمل ، فأمكن العمل بالحقيقة ، فلا ضرورة إلى الحمل على المجاز ، وكذا إعارة كل ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه كالمكيلات والموزونات ، يكون قرضا لا إعارة لما ذكرنا أن محل حكم الإعارة المنفعة لا بالعين ، إلا إذا كان ملحقا بالمنفعة عرفا وعادة ، كما إذا منح إنسانا شاة أو ناقة لينتفع بلبنها ووبرها مدة ثم يردها على صاحبها ; لأن ذلك معدود من المنافع عرفا وعادة ، فكان له حكم المنفعة ، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { هل من أحد يمنح من إبله ناقة أهل بيت لا در لهم } وهذا يجري مجرى الترغيب ، كمن منح منحة ورق أو منحة لبس كان له بعدل رقبة ، وكذا لو منح جديا أو عناقا كان عارية ; لأنه يعرض أن ينتفع بلبنه وصوفه

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية