الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              13 [ ص: 8 ] كتاب الطهارة

                                                              1 - باب الرخصة

                                                              1 \ 12 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها .

                                                              وأخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وقال الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: حديث صحيح.

                                                              [ ص: 9 ] وقد أعل ابن حزم حديث جابر بأنه عن أبان بن صالح، وهو مجهول، ولا يحتج برواية مجهول.

                                                              قال ابن مفوز: أبان بن صالح مشهور ثقة صاحب حديث، وهو أبان بن صالح بن عمير، أبو محمد القرشي، مولى [ق3] لهم، المكي روى عنه ابن جريج، وابن عجلان، وابن إسحاق، وعبيد الله بن أبي جعفر. استشهد بروايته البخاري في "صحيحه" عن مجاهد، والحسن بن مسلم وعطاء، وثقه يحيى بن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان والنسائي، وهو والد محمد بن أبان بن صالح بن عمير الكوفي، الذي روى عنه أبو الوليد، وأبو داود الطيالسي، وحسين الجعفي وغيرهم، وجد أبي عبد الرحمن مشكدانة، شيخ مسلم، وكان حافظا.

                                                              [ ص: 10 ] وأما الحديث فإنه انفرد به محمد بن إسحاق، وليس هو ممن يحتج به في الأحكام، فكيف أن يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح أو ينسخ به " السنن" الثابتة؟ مع أن التأويل في حديثه ممكن، والمخرج منه معرض. تم كلامه.

                                                              وهو - لو صح - حكاية فعل لا عموم لها، ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان ؟ وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه، أو اختيارا؟ فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع ؟

                                                              فإن قيل: فهب أن هذا الحديث معلول، فما يقولون في حديث عراك عن عائشة: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوقد فعلوها؟! استقبلوا بمقعدتي القبلة .

                                                              فالجواب أن هذا الحديث لا يصح، وإنما هو موقوف على عائشة. حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري.

                                                              وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح، وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة، المعانون عليها، [ ص: 11 ] وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه، ولا أقام إسناده، خالفه فيه الثقة الثبت صاحب عراك بن مالك المختص به، الضابط لحديثه: جعفر بن ربيعة الفقيه، فرواه عن عراك عن عروة عن عائشة: أنها كانت تنكر ذلك. فبين أن الحديث لعراك عن عروة، ولم يرفعه، ولا يجاوز به عائشة. وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك، مع صحة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهرتها بخلاف ذلك.

                                                              وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "المراسيل" عن الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله - وذكر حديث خالد بن أبي الصلت، عن عراك بن مالك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، "هذا الحديث" فقال: مرسل. فقلت له: عراك بن مالك قال سمعت عائشة؟ فأنكره وقال: عراك بن مالك من أين سمع عائشة؟! ما له ولعائشة ؟! إنما يرويه عن عروة، هذا خطأ. قال لي: من روى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، قال: رواه غير واحد عن خالد الحذاء، وليس فيه: سمعت.

                                                              وقال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة، ليس فيه: سمعت.

                                                              [ ص: 12 ] فإن قيل: قد روى مسلم في "صحيحه" حديثا عن عراك عن عائشة.

                                                              قيل: الجواب أن أحمد وغيره خالفه في ذلك، وبينوا أنه لم يسمع منها.




                                                              الخدمات العلمية