الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
24 - باب مذاهبهم في الراءات


1 - ورقق ورش كل راء وقبلها مسكنة ياء أو الكسر موصلا      2 - ولم ير فصلا ساكنا بعد كسرة
سوى حرف الاستعلا سوى الخا فكملا



الترقيق إنحاف ذات الحرف عند النطق به ويقابله التفخيم وهو تغليظ الحرف وتسمينه عند النطق به، وقوله: (ورقق ورش كل راء) جملة من فعل وفاعل ومفعول، والواو في و(قبلها) للحال، والظرف خبر مقدم، و(ياء) مبتدأ مؤخر، و(مسكنة) حال من المبتدإ النكرة لأنه في الأصل صفة له، فلما قدم عليه أعرب حالا. وقوله: (أو الكسر) عطف على (ياء)، و(موصلا) بفتح الصاد حال من الكسر، وفي الكلام حال مقدرة للياء حذفت لدلالة الحال الثانية عليها، والتقدير: (وقبلها مسكنة ياء موصلة) أي حال كون هذه الياء موصلة بالراء في كلمة واحدة، وحال كون الكسر موصلا بالراء في كلمة واحدة. وقوله (ولم ير فصلا) من الرؤية العلمية، و(ساكنا) مفعول أول، و(فصلا) مصدر بمعنى فاصلا هو المفعول الثاني.

والمعنى: أن ورشا رقق كل راء مفتوحة أو مضمومة، سواء وقف على الكلمة أو وصلها بما بعدها إذا كان قبلها ياء ساكنة موصلة بالراء في كلمة واحدة، سواء كانت الياء حرف لين فقط، أم حرف مد ولين، وسواء كانت الراء متوسطة أم متطرفة، وسواء كانت الكلمة التي فيها الراء مقرونة بالتنوين أم مجردة منه، وهذا التعميم كله أخذ من الإطلاق نحو: فيهن خيرات ، ولله ميراث ، فالمغيرات ، ذلك خير ، بل فعله كبيرهم ، وأطعموا البائس الفقير ، وافعلوا الخير ، قالوا لا ضير ، فتحرير رقبة ، نذير مبين ، على كل شيء قدير ، وقولنا: (ياء ساكنة) احترزنا به عن المتحركة نحو: ما كان لهم الخيرة ، يوم يرون ، يردون ، فلا ترقق الراء في هذه الأمثلة ونحوها. وقولنا: (موصلة بالراء في كلمة واحدة)، احترزنا به عن الياء الواقعة قبل الراء وكانت هي في كلمة، والراء في كلمة أخرى نحو: في ريب ، و مقنعي رءوسهم ، فورش يفخم الراء في هذا وأمثاله.

[ ص: 162 ] وقوله: (أو الكسر موصلا) معناه: أن ورشا يرقق الراء أيضا المفتوحة والمضمومة إذا كان قبلها كسر موصل بالراء في كلمة واحدة، ويعبر عن هذا بعض المصنفين بقولهم: إذا كان قبل الراء كسرة لازمة، أي لا تنفصل عن الكلمة سواء كانت الراء في وسط الكلمة أم في آخرها، وسواء كانت الكلمة منونة أم غير منونة، وسواء كان الحرف المكسور قبلها حرف استفال أم حرف استعلاء، وهذا التعميم فهم من الإطلاق نحو ذراعيه ، فالمدبرات ، قردة خاسئين ، إلا مراء ظاهرا ، يبشرهم ربهم ، الآمرون بالمعروف ، لينذر من كان حيا و شاكرا لأنعمه ، يا أيه الساحر ، منذر من يخشاها ، فيهن قاصرات الطرف ، وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، وتوقروه وتسبحوه ، من قطران واحترز بقوله (موصلا) عن الكسر المنفصل عن الراء في كلمة أخرى نحو على الكفار رحماء بينهم .

ويدخل فيه نحو: برشيد ، بأمر ربك ، بربوة ، لرقيك لأن حرف الجر وإن اتصل خطا في حكم المنفصل لأنه مع مجروره كلمتان، فلا ترقيق في هذا وأمثاله لورش.

وقوله: (ولم ير فصلا) إلخ، معناه: أنه إذا وقع بين الكسر اللازم الموصل وبين الراء حرف ساكن فإن ورشا لا يعتد بهذا الساكن ولا يعتبره فاصلا وحاجزا يمنع ترقيق الراء، سواء كانت الراء متوسطة نحو: وزرك ، ذكرك ، المحراب ، والإكرام ، لا إكراه في الدين ، سدرة المنتهى ، فعلي إجرامي أم متطرفة نحو: ليس البر ، أفنضرب عنكم الذكر ، فيه ذكركم و سحر مبين . وكما اشترط في الكسر المباشر للراء أن يكون موصلا بالراء في كلمة واحدة أعني أن يكون لازما كما تقدم، اشترط في الكسر الذي يفصل بينه وبين الراء حرف ساكن أن يكون موصلا بالراء ولازما في كلمة واحدة كما في الأمثلة الآنفة الذكر. فإن كان الكسر في كلمة والراء في كلمة أخرى امتنع ترقيق الراء نحو ما كان أبوك امرأ سوء ، وإن امرأة خافت على أن الكسر في وإن امرأة عارض، ففي هذه الكلمة مانعان من الترقيق: انفصال الكسر، وعروضه. وإذا ابتدئ بهذه الكلمات: امرأ، امرأة *، امرؤ. فخمت راءاتها، لأن همزتها همزة وصل جيء بها للتوصل بالساكن بعدها، فهي عارضة فتكون حركتها عارضة كذلك، ثم استثنى من الحرف الساكن الذي لا يعد مانعا من ترقيق الراء حرف الاستعلاء فاعتد به واعتبره مانعا من ترقيق الراء. والمراد جنس [ ص: 163 ] حرف الاستعلاء الصادق، بأي حرف من حروف الاستعلاء السبعة، ولم يقع في القرآن بين الكسر والراء من حروف الاستعلاء إلا الصاد والطاء والقاف. فالصاد وقعت في اهبطوا مصرا و ولا تحمل علينا إصرا و ويضع عنهم إصرهم ، لقومكما بمصر ، ادخلوا مصر ، أليس لي ملك مصر . ووقعت الطاء في أفرغ عليه قطرا ، فطرت الله . ووقعت القاف في فالحاملات وقرا .

ثم استثنى من حروف الاستعلاء الخاء فلم يعتبرها فاصلا، وألحقها بحروف الاستفال، فإذا وقعت بين الكسرة والراء، فإن وقوعها لا يمنع، كترقيق الراء كما إذا وقع بينهما حرف من حروف الاستفال، وقد وقعت الخاء في: وهو محرم عليكم إخراجهم ، غير إخراج ، وظاهروا على إخراجكم ، ويخرجكم إخراجا .


3 - وفخمها في الأعجمي وفي إرم     وتكريرها حتى يرى متعدلا



فخم ورش الراء في كل اسم أعجمي وجد فيه سبب الترقيق، والواقع منه في القرآن ثلاثة أسماء: إبراهيم، إسرائيل، عمران، فالراء تفخم في هذه الأسماء حيث ذكرت في القرآن الكريم، وهذا في قوة الاستثناء من قوله: (ولم ير فصلا ساكنا) إلخ، فيكون مستثنى مما وقعت فيه الراء بعد كسرة، وفصل بينها وبين الكسرة حرف استفال ساكن إذ القياس يقتضي ترقيقها.

وفخم ورش الراء أيضا في كلمة إرم في قوله تعالى في سورة والفجر، إرم ذات العماد

وهذا في قوة الاستثناء من قوله (أو الكسر موصلا) فيكون مستثنى من الراء الواقعة بعد كسر موصل بالراء في كلمة واحدة، وقوله (وتكريرها) مصدر بمعنى المفعول أي في الكلمة المكررة فيها الراء .

المعنى: أن ورشا فخم الراء في الكلمة التي تكررت فيها الراء، فإذا وجد في الكلمة راءان ووجد سبب لترقيق الأولى فقط فيترك ترقيقها وتفخم، وقد وقعت الراء مكررة في خمس كلمات " ضرارا " في والذين اتخذوا مسجدا ضرارا في التوبة، و " فرارا " ، في لوليت منهم فرارا في الكهف، و الفرار في قل لن ينفعكم الفرار في الأحزاب، و إسرارا في وأسررت لهم إسرارا في نوح، و " مدرارا " في يرسل السماء عليكم مدرارا في هود ونوح، وتفخيمها في ضرارا ، و فرارا ، و الفرار في قوة الاستثناء من قوله: (أو الكسر [ ص: 164 ] موصلا)، وفي و إسرارا و مدرارا في قوة الاستثناء من قوله: (ولم ير فصلا ساكنا) إلخ.

ثم بين الناظم علة تفخيم الراء المكررة فقال: (حتى يرى متعدلا) وذلك أن الراء الثانية مفخمة إذ لا موجب لترقيقها، والراء الأولى وجد سبب ترقيقها وهو كسر ما قبلها، ولكنها فخمت ليتعدل اللفظ بتفخيم الراءين لما فيه من الانتقال من تفخيم إلى تفخيم، فيكون أيسر في النطق.


4 - وتفخيمه ذكرا وسترا وبابه     لدى جلة الأصحاب أعمر أرحلا



(الجلة) جمع جليل. و(أعمر) أفعل تفضيل من العمارة ضد الخراب.

و(أرحلا) جمع رحل وهو المنزل، منصوب على التمييز، وهذا أيضا من جملة المستثنى من الراء التي حال بينها وبين الكسر حائل غير حصين لا يمنع ترقيقها، وقد اختلف الرواة عن ورش في ست كلمات مخصوصة وهي: ذكرا ، سترا، إمرا، وزرا، حجرا، وصهرا. فروى عنه جمهور أهل الأداء التفخيم فيهن. وروى عنه البعض الترقيق فيهن. والوجهان عنه صحيحان، والأول مقدم في الأداء، وأما نحو (سرا) من كل ما كان الساكن قبل الراء مدغما فيها فلا خلاف عن ورش في ترقيقها حيث إن المدغم والمدغم فيه كالشيء الواحد، فكأن الراء وليت الكسرة. وأشار الناظم بقوله: (أعمر، أرحلا) إلى رجحان التفخيم في الكلمات المذكورة، لأن عمارة الرحل وهو المنزل توزن بالعناية به والتعاهد له.


5 - وفي شرر عنه يرقق كلهم     وحيران بالتفخيم بعض تقبلا



يرقق جميع الرواة عن ورش الراء الأولى المفتوحة في بشرر في قوله تعالى: إنها ترمي بشرر كالقصر في سورة والمرسلات، وصلا ووقفا، وهذا مخالف للأصل المتقدم، وهو أن سبب الترقيق وجود كسر قبل الراء، وأما هنا فسببه وجود كسر بعدها، وأما الراء الثانية: فترقق للجميع، لأنها مكسورة، وإذا وقف غير ورش على بشرر فخم الراء الأولى، وله في الثانية وجهان السكون المحض مع التفخيم، والروم مع الترقيق، وإذا وقف ورش عليها رقق الراءين معا مع السكون المحض أو الروم في الثانية، ثم بين أن بعض أهل الأداء عن ورش تقبل عن ورش لفظ حيران بتفخيم الراء، أي أخذه ونقله عنه، ومفهوم هذا: أن البعض الآخر رواه عنه بالترقيق على الأصل. وهذا مستثنى من [ ص: 165 ] الأصل السابق، وهو ترقيق الراء بعد الياء الساكنة، فيكون في لفظ (حيران) وجهان التفخيم والترقيق.


6 - وفي الراء عن ورش سوى ما ذكرته     مذاهب شذت في الأداء توقلا



المعنى: أنه ورد عن ورش مذاهب كثيرة في الراء غير ما ذكره، وهذه المذاهب شذ ارتفاعها ونقلها في طرق الأداء، فلا يحفل بها ولا يعنينا ذكرها، ولذلك أمسك عن بيانها لضعفها وشذوذها و(توقلا) مصدر توقل في الجبل إذا صعد فيه.


7 - ولا بد من ترقيقها بعد كسرة     إذا سكنت يا صاح للسبعة الملا



يجب ترقيق الراء إذا سكنت بعد كسرة للقراء السبعة بشرط أن تكون الكسرة لازمة سواء كانت الراء متوسطة نحو: فرعون ، الإربة ، شرعة ، مرية ، أم متطرفة نحو: فاصبر ، فانتصر ، استغفر لهم . سواء كان سكونها أصليا كهذه الأمثلة أم عارضا نحو: قد قدر ، سحر مستمر ، وكل أمر مستقر . فإذا كانت الكسرة عارضة وجب تفخيمها لجميع القراء أيضا نحو: أم ارتابوا ، لمن ارتضى . ونحو: اركعوا عند البدء بهذه الكلمة، لأن همزة الوصل عارضة فحركتها كذلك، وهذا الحكم هو وجوب ترقيقها إذا سكنت بعد الكسرة اللازمة ثابت لها إذا لم يكن بعدها حرف استعلاء، فإن كان بعدها حرف استعلاء فسيذكر حكمها في البيت الآتي. و(يا صاح) منادى مرخم أي يا صاحبي. و(الملا) الأشراف.


8 - وما حرف الاستعلاء بعد فراؤه     لكلهم التفخيم فيها تذللا
9 - ويجمعها قظ خص ضغط وخلفهم     بفرق جرى بين المشايخ سلسلا



يعني: واللفظ الذي وقع حرف الاستعلاء فيه بعد رائه، فراء هذا اللفظ تذلل التفخيم فيها لكل القراء، أي انقاد بسهولة، فإذا وقع بعد الراء حرف من أحرف الاستعلاء السبعة وجب تفخيمها لكل القراء، ورش وغيره، سواء كانت ساكنة وهي في: [ ص: 166 ] وإرصادا بالتوبة، و مرصادا بالنبإ، لبالمرصاد في الفجر ، في قرطاس بالأنعام، فرقة منهم في التوبة. أم كانت الراء متحركة، وإن حالت الألف بينها وبين حرف الاستعلاء إذ الألف حاجز غير حصين، وقد وقع من حروف الاستعلاء بعد الراء المتحركة في القرآن الكريم: القاف، والضاد، والطاء، فأما القاف فوقعت في ثلاثة مواضع، هذا فراق بيني وبينك في الكهف، وظن أنه الفراق في القيامة، بالعشي والإشراق في (ص)، وأما الضاد ففي موضعين: أو إعراضا في النساء، وإن كان كبر عليك إعراضهم في الأنعام. وأما الطاء ففي لفظ صراط، حيث ورد في القرآن الكريم، سواء كان منكرا أم معرفا. فيجب تفخيم الراء في هذا لجميع القراء بشرط أن يكون حرف الاستعلاء مع الراء في كلمة، كما ذكر في الأمثلة، فإن كانت الراء في كلمة وحرف الاستعلاء في كلمة بعدها فلا اعتبار لحرف الاستعلاء حينئذ، فلا يمنع ترقيق الراء لورش، سواء حال بينه وبين الراء حائل غير الألف نحو: حصرت صدورهم أم وقع بعد الراء مباشرة نحو: الذكر صفحا ، يا أيها المدثر قم ، لتنذر قوما عند ورش، ونحو: أن أنذر قومك ، ولا تصعر خدك ، فاصبر صبرا جميلا عند ورش، وغيره.

ثم ذكر أن اختلاف القراء في راء (فرق) في سورة الشعراء فكان كل فرق جرى بين المشايخ فمنهم من فخمها نظرا لوقوع حرف الاستعلاء بعدها، ومنهم من رققها نظرا لكسر حرف الاستعلاء، والوجهان صحيحان لكل القراء، ومعنى (قظ خص ضغط) أي أقم في القيظ في خص ذي ضغط، أي خص ضيق من القصب، أي اقنع من الدنيا بمثل ذلك واسلك طريق السلف الصالح ولا تهتم بزينتها.


10 - وما بعد كسر عارض أو مفصل     ففخم فهذا حكمه متبذلا



أمر بتفخيم الراء لورش إذا وقعت بعد كسر عارض متصل نحو: امرأة، امرؤ، امرأ. عند البدء بهذه الكلمات، ولجميع القراء ورش وغيره إذا وقعت بعد هذا الكسر العارض المتصل نحو: ارتابوا ، ارجعوا ، ارجعي ، اركعوا ، اركبوا ، حين البدء بهذه الكلمات، فيجب تفخيم الراء في جميع ما ذكر عند جميع القراء نظرا لعروض الكسر قبله، وإنما كان الكسر في هذه الأمثلة ونحوها عارضا لأن همزة الوصل نفسها عارضة، [ ص: 167 ] لأنه لا يؤتى بها إلا حال البدء للتوصل إلى النطق بالساكن، وإذا كانت همزة الوصل نفسها عارضة، كانت حركتها عارضة، كذلك أمر بتفخيم الراء لجميع القراء ورش، وغيره، إذا وقعت بعد كسر منفصل عنها بأن يكون في كلمة غير كلمتها، سواء كان هذا الكسر المنفصل لازما نحو: رب ارجعون ، الذي ارتضى بالنسبة للجميع، ما كان أبوك امرأ سوء ، في المدينة امرأت ، بحمد ربهم ، بأمر ربك بالنسبة لورش. أم كان عارضا نحو: قالت امرأت العزيز ، وإن امرأة خافت ، إن امرؤ هلك بالنسبة لورش، أم ارتابوا ، و إن ارتبتم ، لمن ارتضى بالنسبة لجميع القراء.

ومن الكسر المنفصل بالنسبة لورش نحو: برسول ، برازقين ، برءوسكم ، برشيد ، لربك ، لرقيك ، ولرسوله . وإنما كان الكسر منفصلا في هذه الأمثلة ونحوها لأن حرف الجر منفصل تقديرا عن الكلمة التي دخل عليها، إذ الجار ومجروره كلمتان مستقلتان حرف واسم، فهما وإن اتصلا لفظا وخطا منفصلان حكما وتقديرا.

وقوله: (متبذلا) حال يشير به إلى أن التفخيم مشهور عند العلماء مبذول بينهم مستفيض.


11 - وما بعده كسر أو اليا فما لهم     بترقيقه نص وثيق فيمثلا



ذكر الناظم في صدر هذا الباب أن ورشا يرقق الراء المفتوحة والمضمومة إذا وقع قبلها ياء ساكنة أو كسرة، فهما الموجبان لترقيقها، وأشار في هذا البيت إلى أن بعض أهل الأداء رققوا الراء إذا وقع بعدها كسرة نحو بين المرء ، كرسيه ، ردف لكم ، مرضيا ، لا شرقية ولا غربية ، مرجعكم ، أو وقع بعدها ياء ساكنة نحو: مرج البحرين ، أنؤمن لبشرين ، أو متحركة نحو: مريم ، قرية ، قياسا على ما إذا كانت الكسرة أو الياء قبل الراء.

وبين الناظم أن هؤلاء ليس لهم فيما ذهبوا إليه نص صريح ونقل صحيح ومستند قوي يعتمد عليه، فيظهر، ويذاع بين القراء. وإذا كان الأمر كذلك فلا يصح ترقيق الراء إذا وقع بعدها كسر أو ياء بل يجب تفخيمها لجميع القراء.


12 - وما لقياس في القراءة مدخل     فدونك ما فيه الرضا متكفلا



لا يجوز ترقيق الراء التي بعدها كسرة أو ياء قياسا على ترقيق الراء التي قبلها كسرة أو ياء إذ ليس للقياس مدخل في القراءة، لأن جميع الأوجه والقراءات إنما تعتمد على [ ص: 168 ] النقل المتواتر والتلقي الصحيح المضبوط، فالزم ما نقل عن الأئمة، وارتضوه من تفخيم وترقيق، واعمل على نقله لغيرك، وقد يقال: إن بين هذا البيت وبين قوله في باب الإمالة (واقتس لتنضلا) تناقضا، لأن هذا البيت نفى القياس في القراءة. وقوله: (واقتس لتنضلا) أمر بالقياس فيها، فبين قوليه تدافع، ويمكن دفع التناقض بأن المراد بالقياس المنفي هنا قياس قاعدة كلية على أخرى مثلها، والمراد بالقياس المأمور به هناك: قياس الأمثلة بعضها على بعض، فلا تناقض بين الموضعين.


13 - وترقيقها مكسورة عند وصلهم     وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا
14 - ولكنها في وقفهم مع غيرها     ترقق بعد الكسر أو ما تميلا
15 - أو الياء تأتي بالسكون ورومهم     كما وصلهم فابل الذكاء مصقلا



الراء المكسورة قد تكون في أول الكلمة نحو: رجال، رسالة، رضوان، وقد تكون في وسطها نحو: فرحين ، الشاكرين ، والغارمين ، وقد تكون في آخرها نحو: إلى شيء نكر ، ودسر ، بقدر ، فإذا كانت في أول الكلمة أو في وسطها وجب ترقيقها لكل القراء وصلا ووقفا، وإن كانت في آخر الكلمة وجب ترقيقها لجميع القراء وصلا، سواء كانت حركتها أصلية نحو من مطر . أم عارضة نحو: وأنذر الناس ، واذكر اسم ربك ، " وانحر إن شانئك " في قراءة ورش. وأما في الوقف فينظر إلى ما قبلها، فإن كان مفتوحا نحو: كلمح بالبصر ، في جنات ونهر ، أو مضموما نحو: إلى أرذل العمر ، فعلوه في الزبر ، أو ألفا نحو: غير مضار ، وقنا عذاب النار ، أو واوا نحو هل ترى من فطور ، في عتو ونفور ، أو حرفا ساكنا صحيحا نحو: مع العسر ، من كل أمر ، فإنه يجب تفخيمها في هذه الأحوال كلها، وكذلك حكم المفتوحة والمضمومة فإنهما يفخمان في هذه الأحوال، فالمفتوحة بعد فتح نحو: ولمن صبر وغفر ، وبعد ضم نحو: ويولون الدبر ، ليفجر ، وبعد ألف نحو: إن الأبرار ، وإن الفجار . وبعد واو نحو: لن تبور ، وهل نجازي إلا الكفور .

وبعد الحرف الساكن الصحيح نحو: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر .

والمضمومة بعد فتح نحو: فإذا برق البصر وخسف القمر [ ص: 169 ] ، وبعد ضم نحو: جاء آل فرعون النذر ، وبعد ألف نحو: تشخص فيه الأبصار ، تجري من تحتها الأنهار . وبعد واو نحو: وإليه النشور ، وهو الغفور ، وبعد الحرف الساكن الصحيح نحو: فإذا عزم الأمر ، من شجرة أقلام والبحر .

وإن كان ما قبلها أي المكسورة مكسورا نحو: فهل من مدكر ، عند مليك مقتدر ، فإنه يجب ترقيقها، ويدخل في هذا ما إذا حال بين الراء وبين الكسر حاجز غير حصين نحو: والقرآن ذي الذكر ، من السحر فترقق أيضا.

فإن كان الحاجز حصينا، وهو حرف الاستعلاء، وقد وقع ذلك في عين القطر ففيها الترقيق والتفخيم، ولكن الترقيق أولى. وهذان الوجهان ثابتان أيضا في الوقف على (مصر).

وإن كانت راؤها مفتوحة، ولكن التفخيم فيها أولى، وكذلك ترقق المكسورة وقفا إذا كان قبلها ألف ممالة نحو: من أنصار ، كتاب الأبرار ، بالنسبة لمن يميل أو كان قبلها ياء ساكنة نحو: من بشير ولا نذير ، من خير ، والمفتوحة والمضمومة يشاركان المكسور في الترقيق عند الوقف إذا كان قبل كل منهما كسرة نحو: من أساور ، وازدجر ، إنما أنت منذر ، وكل أمر مستقر ، ويدخل في هذا ما كان بين الراء والكسر حاجز غير حصين وهو حرف الاستفال نحو: وما علمناه الشعر ، إن هو إلا ذكر ، وتشارك المفتوحة والمضمومة المكسورة أيضا في الترقيق عند الوقف، إذا كان قبل كل منهما ياء ساكنة نحو: لا ضير وافعلوا الخير ، فهو خير ، والله قدير .

وهذا معنى قول الناظم: (ولكنها في وقفهم مع غيرها) إلخ، فإنه أراد بالغير المفتوحة والمضمومة، أي ولكنها المكسورة ترقق في الوقف مع المفتوحة والمضمومة إذا وقع كل منهما بعد الكسر أو الحرف الممال أو الياء الساكنة، وإن كانت المفتوحة والمضمومة لا تقعان بعد الألف الممالة كما لا يخفى، فيكون المراد أنهما يشاركان المكسورة فيما يمكن المشاركة فيه من الحالين المذكورين، وهذه الأحكام إذا وقفت على الراء بالسكون المحض، أما إذا وقفت عليها بالروم:

فقد بين الناظم حكمها في قوله: (ورومهم كما وصلهم).

المعنى: أن حكم الراء حين الوقف عليها بالروم كحكمها عند الوصل، فإن كانت في الوصل مرققة بأن كانت مكسورة وقفت عليها بالروم مرققة، وإن كانت في الوصل مفخمة بأن كانت مضمومة إذ الروم لا يدخل المفتوح وقفت عليها بالروم [ ص: 170 ] مفخمة، اللهم إلا إذا كان قبل المضمومة كسرة نحو: هو القادر ، أو ياء ساكنة نحو: وهو حسير ، ووقفت بالروم لورش فإنك ترقق الراء، لأنه يقرؤها بالترقيق وصلا.

والخلاصة: أنه في حال الوقف عليها بالروم ينظر إلى حركتها، وفي حال الوقف عليها بالسكون المحض ينظر إلى حركة ما قبلها، وقوله: (وترقيقها) مبتدأ وخبره (عند وصلهم)، و(تفخيمها) مبتدأ، و(أجمع) خبره. و(أشملا) تمييز، وهو جمع شمل. والمعنى: هو أجمع أشملا من ترقيقها، وفي ذلك إشارة إلى كثرة الناقلين للتفخيم، وقلة من نبه على الترقيق.

وقوله: (فابل) أي اختبر الذكاء وحدة الذهن. و(التصقيل) بمعنى الصقل: إزالة الصدإ، وهو نعت لمصدر محذوف، أي بلاء مصقولا يشير إلى صحة الاختبار ونقائه مما يكدره.


16 - وفيما عدا هذا الذي قد وصفته     على الأصل بالتفخيم كن متعملا



(كن متعملا) بمعنى: عاملا.

والمعنى: اعمل بالتفخيم الذي هو الأصل في الراءات فيما عدا ما ذكرته من القواعد التي يرقق ورش بمقتضاها بعض الراءات، والقواعد التي يرقق جميع القراء السبعة بمقتضاها بعض الراءات، والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية