الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الاستنجاء بالحجارة

                                                                                                          16 حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال قيل لسلمان قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة فقال سلمان أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وأن نستنجي باليمين أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم قال أبو عيسى وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وجابر وخلاد بن السائب عن أبيه قال أبو عيسى وحديث سلمان في هذا الباب حديث حسن صحيح وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ وإن لم يستنج بالماء إذا أنقى أثر الغائط والبول وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق [ ص: 66 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 66 ] قوله : ( حدثنا هناد ) تقدم ( عن الأعمش ) تقدم ( عن إبراهيم ) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي الفقيه ، ثقة إلا أنه يرسل كثيرا ( عن عبد الرحمن بن يزيد ) ابن قيس النخعي أبو بكر الكوفي ثقة .

                                                                                                          قوله : ( قيل لسلمان ) الفارسي ، ويقال له سلمان الخير ، وسئل عن نسبه فقال أنا سلمان ابن الإسلام ، أصله من فارس ، أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان من خيار الصحابة وزهادهم وفضلائهم ، والقائلون هم المشركون كما في رواية ابن ماجه قال له بعض المشركين وهم يستهزئون به ، وفي رواية مسلم قال لنا المشركون .

                                                                                                          ( حتى الخراءة ) قال الخطابي : الخراءة بكسر الخاء ممدودة الألف : أدب التخلي والقعود عند الحاجة ، وقال النووي : الخراءة بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبالمد وهو اسم لهيئة الحدث ، وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد مع فتح الخاء وكسرها . انتهى .

                                                                                                          ( أجل ) بسكون اللام : حرف إيجاب بمعنى نعم ( أو أن نستنجي باليمين ) الاستنجاء باليمين للتنبيه على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها .

                                                                                                          ( أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ) وفي رواية لأحمد ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ، قال الخطابي : فيه بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد الطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها ، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وفي قوله أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار : البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا يجوز ، وإن وقع الإنقاء بما دونها ، ولو كان المراد به الإنقاء حسب لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى ، إذ كان معلوما أن الإنقاء يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين ، فلما اشترط العدد لفظا وعلم الإنقاء فيه معنى دل على [ ص: 67 ] إيجاب الأمرين . انتهى مختصرا .

                                                                                                          قال المظهري : الاستنجاء بثلاثة أحجار واجب عند الشافعي رحمه الله وإن حصل النقاء بأقل ، وعند أبي حنيفة النقاء متعين لا العدد . انتهى . واستدل للشافعي بحديث الباب ، واستدل لأبي حنيفة رحمه الله بقوله صلى الله عليه وسلم : من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج قال القاري في المرقاة : هذا يدل دلالة واضحة على جواز الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار وعدم شرط الإيتار ، وهو مذهب أبي حنيفة . انتهى .

                                                                                                          قلت : حديث من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج . أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة ، وهو بظاهره مخالف لحديث سلمان المذكور في الباب ، وحديث سلمان أصح منه فيقدم عليه أو يجمع بينهما بما قال الحافظ في الفتح ما لفظه : وأخذ بهذا - أي بحديث سلمان - الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث ، فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء إذا لم يحصل بها فيزاد متى ينقى ، ويستحب حينئذ الإيتار لقوله : من استجمر فليوتر ، وليس بواجب لزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال : ومن لا فلا حرج ، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب . انتهى .

                                                                                                          وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه : وهذا محمول على أن القطع على وتر سنة فيما زاد على ثلاثة جمعا بين النصوص . انتهى .

                                                                                                          ( أو أن نستنجي برجيع أو عظم ) لفظ أو للعطف لا للشك ، ومعناه الواو أي نهانا عن الاستنجاء بهما ، والرجيع هو الروث والعذرة ، فعيل بمعنى فاعل; لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا ، والروث هو رجيع ذوات الحوافر . وجاء عندأبي داود في رواية رويفع بن ثابت رجيع دابة ، وأما عذرة الإنسان فهي داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : إنها ركس ، وأما علة النهي عن الاستنجاء بالرجيع والعظم فيأتي بيانها في باب كراهية ما يستنجى به .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وجابر وخلاد بن السائب عن أبيه ) أما حديث عائشة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي بلفظ : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه ، والحديث [ ص: 68 ] سكت عنه أبو داود ثم المنذري ، وأما حديث خزيمة بن ثابت فأخرجه أبو داود وابن ماجه بلفظ : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال : بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ، والحديث سكت عنه أبو داود ثم المنذري وأما حديث جابر فأخرجه أحمد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا . قال الهيثمي : رجاله ثقات ، وأما حديث السائب والد خلاد فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدكم الخلاء فليمسح بثلاثة أحجار قال الهيثمي : وفيه حماد بن الجعد وقد أجمعوا على ضعفه .

                                                                                                          قوله : ( حديث سلمان حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول أكثر أهل العلم إلخ ) وهو الحق والصواب ، يدل عليه أحاديث الباب .




                                                                                                          الخدمات العلمية