الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان كيفية اليمين فالكلام فيه يتعلق بموضعين ( أحدهما ) في بيان صفة التحليف نفسه أنه كيف يحلف والثاني في بيان صفة المحلوف عليه أنه على ماذا يحلف ( أما الأول ) فالأمر لا يخلو إما أن كان الحالف مسلما وإما أن كان كافرا فإن كان مسلما فيحلفه القاضي بالله تعالى إن شاء من غير تغليظ لما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف يزيد بن ركانة أو ركانة بن عبد يزيد بالله عز وجل ما أردت بالبتة ثلاثا } وإن شاء غلظ لأن الشرع ورد بتغليظ اليمين في الجملة فإنه روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ابن صوريا الأعور وغلظ فقال عليه الصلاة والسلام الذي أنزل التوراة على سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أن حد الزنا في كتابكم هذا } .

                                                                                                                                وقال مشايخنا ينظر إلى حال الحالف إن كان ممن لا يخاف منه الاجتراء على الله تعالى باليمين الكاذبة يكتفي فيه بالله عز وجل من غير تغليظ وإن كان ممن يخاف منه ذلك تغلظ لأن من العوام من لا يبالي عن الحلف بالله عز وجل كاذبا فإذا غلظ عليه اليمين يمتنع وقال بعضهم إن كان المال المدعى يسيرا يكتفي فيه بالله عز وجل وإن كان كثيرا يغلظ وصفة التغليظ أن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ونحو ذلك مما يعد تغليظا في اليمين .

                                                                                                                                وإن كان الحالف كافرا فإنه يحلف بالله عز وجل أيضا ذميا كان أو مشركا لأن المشركين لا ينكرون الصانع قال الله تبارك وتعالى جل شأنه { ولئن سألتهم من [ ص: 228 ] خلق السموات والأرض ليقولن الله } فيعظمون اسم الله تعالى عز شأنه ويعتقدون حرمة الإله إلا الدهرية والزنادقة وأهل الإباحة .

                                                                                                                                وهؤلاء أقوام لم يتجاسروا على إظهار نحلتهم في عصر من الأعصار إلى يومنا هذا ونرجو من فضل الله عز وجل على أمة حبيبه صلى الله عليه وسلم أن لا يقدرهم على إظهار ما انتحلوه إلى انقضاء الدنيا وإن رأى القاضي ما يكون تغليظا في دينه فعل لما روينا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ على ابن صوريا } دل أن كل ذلك سائغ فيغلظ على اليهودي بالله تعالى عز وجل الذي أنزل التوراة على سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وعلى النصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام وعلى المجوسي بالله الذي خلق النار ولا يحلف على الإشارة إلى مصحف معين بأن يقول بالله الذي أنزل هذا الإنجيل أو هذه التوراة لأنه قد ثبت تحريف بعضها فلا يؤمن أن تقع الإشارة إلى المحرف فيكون التحليف به تعظيما لما ليس بكلام الله عز وجل ولا يبعث هؤلاء إلى بيوت عبادتهم من البيعة والكنيسة وبيت النار لأن فيه تعظيم هذه المواضع وكذا لا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان عندنا وقال الشافعي رحمه الله إن كان بالمدينة يحلف عند المنبر وإن كان بمكة يحلف عند الميزاب ويحلف بعد العصر والصحيح قولنا لما روينا من الحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام { البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه } مطلقا عن الزمان والمكان وروي أنه اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع في دار إلى مروان بن الحكم فقضى على زيد ابن ثابت باليمين عند المنبر فقال له زيد أحلف له مكاني فقال له مروان لا والله إلا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق وأبى أن يحلف عند المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك ولو كان ذلك لازما لما احتمل أن يأباه زيد بن ثابت ولأن تخصيص التحليف بمكان وزمان تعظيم غير اسم الله تبارك وتعالى وفيه معنى الإشراك في التعظيم والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية