الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 6355 ] كتاب الجراح

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ق 6) نسخة القرويين رقم (368)

                                                                                                                                                                                        3 - (ق 7) نسخة القرويين رقم (367) [ ص: 6356 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 6357 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد

                                                                                                                                                                                        وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب الجراح

                                                                                                                                                                                        القتل ثلاثة: خطأ، وعمد، وشبه الخطأ والعمد، وهو ما أشكل أمره هل كان عن خطأ أو عمد.

                                                                                                                                                                                        والحكم في الخطأ الدية، وفي العمد القصاص، إلا أن يرضى الولي بالدية.

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك في شبه العمد، فقال في المدونة: لا أعرفه وإنما هو عمد أو خطأ . وقال مرة فيه: لا قصاص . وذكر عنه غير واحد من البغداديين أن فيه الدية . وهو أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد، قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل. . ." الحديث رواه عمرو بن العاص، ولأن القصاص إنما يجب في العمد، وإذا كان القتل مشكلا هل هو [ ص: 6358 ] عمد أو خطأ لم يقتل بشك، وقد وافق مالكا على سقوط القصاص الشافعي وأبو حنيفة.

                                                                                                                                                                                        وشبه العمد أربعة أقسام: أحدها: أن يكون القتل بغير آلة القتل وبما لا يقصد إلى إتلاف النفس بمثله كالسوط والعصا والبندقة واللطمة واللكزة، وفيه ورد الحديث، إلا أن يقوم دليل العمد لقوة الضربة من الرجل الشديد لمريض أو ضعيف.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يكون بآلة القتل ممن لا يتهم أن يكون أراد القتل، وهو ما يكون من الأب والأم لولدهما يحذفه بسيف أو برمح، وفيه قضى عمر - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يكون ممن أبيح له فعل مثل ذلك ممن نزل به القتل كمعلم الثقاف والطبيب والخاتن. [ ص: 6359 ]

                                                                                                                                                                                        والرابع: أن يكون على صفة يراد بها القتل ويتقدمه بساط يعلم أنه لم يكن المراد القتل كالمتصارعين والمتلاعبين.

                                                                                                                                                                                        وإذا حذف الأب أو الأم الولد بسكين أو سيف فأبان له عضوا أو قتله لم يقتص منه من ذلك الجرح، ولم يقتل به إن قتل، بخلاف الأجنبي; لأنه لا يتهم على أنه أراد قتله، ويحمل على أنه أراد تهديده وتخويفه لما علم من حنانهما والشفقة والذب عنه إلا أن يأتي بأمر لا شك فيه; مثل: أن يضجعه فيذبحه، أو يعلم أنه كان بينهما تهديد ويخاف بعضهم من بعض القتل فيقتص حينئذ، وإلا كانت الدية مغلظة.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: تغلظ في الجد أبي الأب، وفي الجدة أم الأم، ووقف في أبي الأم وأم الأب، وقال أشهب: لا تغلظ في أبي الأم وهو كالأجنبي، وتغلظ في أم الأب. وقال عبد الملك: تغلظ في جميعهم الأجداد والجدات، وقال سحنون في كتاب ابنه: اتفقوا على أنها تغلظ في الجد والجدة للأب، واختلف في الجد والجدة للأم .

                                                                                                                                                                                        وقول عبد الملك أحسن; لأن لكل واحد من هؤلاء عطفا وحنانا لا يتهم معه أنه قصد القتل، فإن قيل: إنهم ليسوا في الحنان كالأبوين، قيل: ليس المراد المساواة، ولو كان ذلك لوجب القصاص من الجد للأب; لأنه غير مساو للأب في الحنان. [ ص: 6360 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا تعمد ضرب بطن امرأته فألقت جنينا فاستهل صارخا ثم مات لم يقتل به وغلظت فيه الدية، وإن كان ذلك مما لو كان من أجنبي لوجب فيه القصاص. ولا تغلظ فيه الدية عند أشهب; لأنه لا يرى فيه قصاصا لو كان من أجنبي .

                                                                                                                                                                                        ولا تغلظ الدية في الابن إذا حذف أباه بسيف أو غيره من آلة القتل.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: ولا تغلظ الدية في أخ ولا زوجة ولا زوج ولا في أحد من القرابات سوى من ذكرنا، ولا تغلظ في الشهر الحرام، ولا على قاتل الخطأ في الحرم .

                                                                                                                                                                                        وقال في المجموعة: في الأخ والعم والقرابات القصاص، إلا أن يكون ذلك جرى على وجه الأدب فيكون مثل المعلم وذي الصنعة ما لم يتعمد بسلاح .

                                                                                                                                                                                        وقال بعض أهل العلم: إذا وقع القتل ممن له التأديب، مثل: الأب والزوج والمعلم والوصي والحاكم، فذلك على أربعة أوجه: فإن كان الضرب المباح بالآلة المباحة فلا ضمان عليهم، وإن كان التعدي يسيرا كان خطأ، وإن كان التعدي مترددا بين الخطأ والعمد، وسدد المعلم في الميدان الرمح وطعن [ ص: 6361 ] به في شبه ذلك كانت فيه الدية مغلظة، وإن بان عن ذلك بأمر لا شك فيه كان فيه القصاص.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: وينبغي أن ينزل أمر الطبيب على مثل ذلك، فإن قطع في الموضع المعتاد فمات لم يكن عليه فيه شيء، كان زاد على ذلك يسيرا أو وضع القطع فيما قارب ذلك كان خطأ، وإن زاد على ذلك إلى ما لا يشك فيه أن ذلك تعمد كان فيه القصاص، وإن تردد بين الخطأ والعمد كانت مغلظة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية