الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ الجهر في صلاة الكسوف ]

المثال الحادي والخمسون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الجهر في صلاة الكسوف ، كما في صحيح البخاري من حديث الأوزاعي عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قرأ قراءة طويلة يجهر بها في صلاة الكسوف } .

قال البخاري : تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري - قلت : أما حديث سليمان بن كثير ففي مسند أبي داود الطيالسي حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف } .

وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر عن [ ص: 267 ] الزهري ، وهو في الصحيحين ، أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عروة عن عائشة : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا أن الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وافتتح القرآن وقرأ قراءة طويلة يجهر بها } فذكر الحديث .

قال البخاري : حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة - قلت : يريد قول سمرة : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف لم نسمع له صوتا }

وهو أصرح منه بلا شك ، وقد تضمن زيادة الجهر ; فهذه ثلاث ترجيحات ، والذي ردت به هذه السنة المحكمة هو المتشابه من قول ابن عباس : { أنه صلى الكسوف فقرأ نحوا من سورة البقرة } قالوا : فلو سمع ما قرأ لم يقدره بسورة البقرة .

وهذا يحتمل وجوها ; أحدها : أنه لم يجهر ، الثاني : أنه جهر ولم يسمعه ابن عباس ، الثالث : أنه سمع ولم يحفظ ما قرأ به فقدره بسورة البقرة ; فإن ابن عباس لم يجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جمعه بعده ، الرابع : أن يكون نسي ما قرأ به وحفظ قدر قراءته ، فقدرها بالبقرة ، ونحن نرى الرجل ينسى ما قرأ به الإمام في صلاة يومه ، فكيف يقدم هذا اللفظ المجمل على الصريح المحكم الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا ؟ ومن العجب أن أنسا روى ترك جهر النبي صلى الله عليه وسلم ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولم يصح عن صحابي خلافه ، فقلتم : كان صغيرا يصلي خلف الصفوف فلم يسمع البسملة ، وابن عباس أصغر سنا منه بلا شك وقدمتم عدم سماعه للجهر على من سمعه صريحا ، فهلا قلتم ، كان صغيرا فلعله صلى خلف الصف فلم يسمعه جهر ؟

وأعجب من هذا قولكم : أن أنسا كان صغيرا لم يسمع تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لبيك حجا وعمرة } وقدمتم قول ابن عمر عليه أنه أفرد الحج ، وأنس إذ ذاك له عشرون سنة ، وابن عمر لم يستكملها وهو بسن أنس ، وقوله : " أفرد الحج " مجمل ، وقول أنس : " سمعته يقول { لبيك عمرة وحجا } محكم مبين صريح لا يحتمل غير ما يدل عليه ، وقد قال ابن عمر : { تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وبدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج } ، فقدمتم على حديث أنس الصحيح الصريح المحكم الذي لم يختلف عليه فيه حديثا ليس مثله في الصراحة والبيان ، ولم يذكر رواية لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف عليه فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية