الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل ، ويجوز أن يوليه خاصا في أحدهما ، أو فيهما . فيوليه عموم النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ، ومن طرأ إليه أو يجعل إليه الحكم في المداينات خاصة ، أو في قدر من المال لا يتجاوزه ، أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها . ويجوز أن يولي قاضيين أو أكثر في بلد واحد ، يجعل إلى كل واحد عملا ، فيجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس ، وإلى الآخر عقود الأنكحة دون غيرها . فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز . وعند القاضي : لا يجوز ، وإن مات المولي ، أو عزل المولى مع صلاحيته ، لم تبطل ولايته في أحد الوجهين ، وتبطل في الآخر ، وهل ينعزل قبل العلم بالعزل ؛ على وجهين ، بناء على الوكيل ، وإذا قال المولي : من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان ، فهو خليفتي ، أو قد وليته ، لم تنعقد الولاية لمن ينظر . وإن قال : وليت فلانا وفلانا ، فمن نظر منهم فهو خليفتي . انعقدت الولاية .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل ) بأن يوليه القضاء في سائر الأحكام وسائر البلدان . ( وأن يوليه خاصا في أحدهما ) بأن يوليه الحكم في سائر الأحكام في بلد أو محلة من المحال ، وكذا عكسه .

                                                                                                                          ( أو فيهما ) بأن يوليه الحكم في المداينات ، أو عقود الأنكحة في بعض البلاد أو المحال . ( فيوليه عموم النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ) وهو ظاهر . ( من طرأ إليه ) لأن الطارئ يعطى حكم أهله في كثير من الأحكام ، بدليل أن الدماء الواجبة لأهل مكة يجوز تفريقها في الطارئ إليها كأهلها . ( أو يجعل إليه الحكم في [ ص: 15 ] المداينات خاصة أو في قدر من المال لا يتجاوزه ، أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها ) لأن الخيرة في التولية إلى الإمام فكذا في صفتها ، وله الاستنابة في الكل ، فكذا في البعض ، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستنيب أصحابه كلا في شيء ، فولى عمر القضاء ، وبعث عليا قاضيا باليمن ، وكان يرسل بعضهم لجمع الزكاة وغيرها ، وكذلك الخلفاء من بعده . ( ويجوز أن يولي ) من غير مذهبه ، قاله القاضي في " الأحكام السلطانية " و " الرعايتين " و " الحاوي " و " النظم " ؛ لأن على القاضي أن يجتهد رأيه في قضائه ، وقد سبق في الوكالة . ( قاضيين أو أكثر في بلد واحد ، يجعل إلى كل واحد عملا ، فيجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس ، وإلى الآخر عقود الأنكحة ) لأن الإمام كامل الولاية فوجب أن يملك ذلك ، إذ لا ضرر عليه كتولية القاضي الواحد . ( فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز ) صححه في " المغني " ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنها نيابة فجاز جعلها إلى اثنين كالوكالة ، ولأنه يجوز للقاضي أن يستخلف خليفتين في موضع واحد ، فالإمام أولى . عند أبي الخطاب : ( لا يجوز ) لأنهما قد يختلفان في الاجتهاد فتقف الحكومة .

                                                                                                                          وجوابه : أن كل حاكم يحكم باجتهاده ، وليس للآخر الاعتراض عليه . ويقدم قول الطالب ولو عند نائب ، فإن كانا مدعيين اختلفا في ثمن مبيع باق ، اعتبر أقرب الحاكمين منهما مجلسا ، فإن استويا أقرع ، وقيل : يعتبر [ ص: 16 ] اتفاقهما على حاكم .

                                                                                                                          قال حرملة : قال الشافعي : لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق ، كان يجيء إلى الرجل فيقول له : لتحدث وإلا استعديت عليك السلطان . وفي " الرعاية " : يقدم منهما من طلب حكم المستنيب . وفي " الترغيب " : إن تنازعا أقرع .

                                                                                                                          وقال ابن عقيل : إن كانا في الحاجز كدجلة والفرات ، ليس الحاكم في ولاية أحدهما ، فإلى الوالي الأعظم . ( وإن مات المولي ) بكسر اللام ( أو عزل المولى ) بفتحها ( مع صلاحيته لم تبطل ولايته في أحد الوجهين ) هذا هو الأشهر ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ؛ لأنه عقد لمصلحة المسلمين ، كما لو عقد الولي النكاح على مولاته ثم مات أو فسخه . ( وتبطل في الآخر ) وجزم به في " الوجيز " ، في الثانية : لا ، الأولى : كالوكيل ، قال عمر : لأعزلن أبا مريم ، وأولي رجلا إذا رآه الفاجر فرقه . فعزله وولى كعب بن سور ، وولى علي أبا الأسود ثم عزله ، فقال : لم عزلتني وما جنيت ؛ قال : رأيتك يعلو كلامك على الخصمين . وجزم في " الترغيب " : بأنه ينعزل نائبه في أمر معين ، وسماع شهادة معينة ، وإحضار مستعد عليه . فعلى هذا : لو عزله في حياته لم ينعزل .

                                                                                                                          وقال ابن حمدان : إن قلنا : الحاكم نائب الشرع لم ينعزل ، وإن قلنا : [ ص: 17 ] نائب من ولاه انعزل . وفي " الشرح " : لا ينعزل بالموت ، وهل ينعزل بالعزل ؛ فيه وجهان لأن فيه ضررا ، وهنا لا ضرر فيه ؛ لأنه لا ينعزل قاض حتى يولى آخر مكانه . ولهذا لا ينعزل الوالي بموت الإمام وينعزل بعزله . قال الشيخ تقي الدين : كعقد وصي ، وناظر عقدا جائزا كوكالة وشركة ومضاربة . ومثله كل عقد لمصلحة المسلمين ، كوال ومن نصبه لجباية مال وصرفه ، وأمر الجهاد ، ووكيل بيت المال ، والمحتسب ، وهو ظاهر كلام غيره . ( وهل ينعزل قبل العلم بالعزل ؛ على وجهين ، بناء على الوكيل ) لأنه في معناه ، وجزم في " الوجيز " : بأنه ينعزل كالوكيل ، والأشهر عدمه ؛ لأنه يتعلق به قضايا الناس وأحكامهم فيشق ، بخلاف الوكيل فإنه متصرف في أمر خاص . تنبيه : إذا تغير حال القاضي بزوال عقل أو مرض يمنعه من القضاء أو اختل فيه بعض الشروط فإنه يتعين على الإمام عزله وجها واحدا .

                                                                                                                          وفي " المغني " : أنه ينعزل ، فإن استخلف القاضي خليفة فإنه ينعزل بموته أو عزله كالوكيل ، وله عزل نفسه في الأرض .

                                                                                                                          وفي " الرعاية " : إن لم يلزمه قبوله ، وفيها له عزل نائبه بأفضل منه . وقيل : بمثله . وقيل : بدونه ؛ لمصلحة في الدين .

                                                                                                                          وقال القاضي : عزل نفسه يتخرج على الروايتين في أنه وكيل للمسلمين أم لا ؛ فيه روايتان منصوصتان في خطأ الإمام ، وفي " الرعاية " في [ ص: 18 ] نائبه في الحكم ، وقيم الأيتام ، وناظر الوقف ، ونحوه أوجه .

                                                                                                                          ثالثها إن استخلفهم بإذن من ولاه فلا .

                                                                                                                          ورابعها : إن قال : استخلف عنك . انعزلوا . وإن قال : عني . فلا ، ولا يبطل ما فرضه فارض في المستقبل في الأشهر . ومن عزل أو انعزل حرم عليه الحكم ، ولزمه إعلام ولي الأمر . فلو تاب الفاسق وحسن حاله ، أو أفاق من جنون أو إغماء ، وقيل : ينعزل به ، فهل يعود قاضيا بلا تولية جديدة ؛ فيه وجهان .

                                                                                                                          ومن أخبر بموت قاضي بلد ، وولي غيره فبان الأول حيا ، لم ينعزل في الأقوى . ( وإذا قال المولي : من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي ، أو قد وليته لم تنعقد الولاية لمن ينظر ) ذكره القاضي وغيره ، وجزم به في " الرعاية " و " الوجيز " ؛ لأنه لم يعين بالولاية أحدا منهم ، وكما لو قال : بعتك أحد الثوبين .

                                                                                                                          ويحتمل أن تنعقد لمن نظر ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق ولاية الإمارة بعد زيد على شرط ، فكذا ولاية الحكم . ( وإن قال : وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهما فهو خليفتي . انعقدت الولاية ) لمن نظر لأنه ولاهما جميعا ، ثم عين السابق منهما .




                                                                                                                          الخدمات العلمية